فصل: حد النية وحد الإخلاص
 
فصل
وأما النية التي هي إخلاص الدين لله فقد تكلم الناس في حَدِّها، وحد الإخلاص، كقول بعضهم‏:‏ المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله ـ عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مَثَاقِيل الذَّرِّ من عمله، وأمثال ذلك من كلامهم الحسن‏.‏ لكن كلامهم يتضمن الإخلاص في سائر الأعمال، وهذا لا يقع من سائر الناس، بل لا يقع من أكثرهم، بل غالب المسلمين يخلصون لله في كثير من أعمالهم؛ كإخلاصهم في الأعمال المشتركة بينهم،/ مثل صوم شهر رمضان، فغالب المسلمين يصومونه لله، وكذلك مَنْ داوم على الصلوات فإنه لا يصلي إلا لله ـ عز وجل، بخلاف من لم يحافظ عليها فإنما يصلي حياءً، أو رياء، أو لعلة دنيوية؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان؛ فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ‏}‏‏)‏ الآية ‏[‏التوبة‏:‏ 18‏]‏ ‏.‏
ومن لم يصل إلا بوضوء واغتسال فإنه لا يفعل ذلك إلا لله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد، وابن ماجة من حديث ثوبان عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏استقيموا ولن تُحْصُوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فإن الوضوء سر بين العبد وبين الله ـ عز وجل‏)‏، وقد ينتقض وضوؤه ولا يدري به أحد، فإذا حافظ عليه لم يحافظ عليه إلا لله ـ سبحانه، ومن كان كذلك لا يكون إلا مؤمنا، والإخلاص في النفع المتعدي أقل منه في العبادات البدنية؛ ولهذا قال في الحديث المتفق على صحته‏:‏ ‏(‏سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله‏)‏ الحديث‏