فصـل في تصور الشيطان في صورة المدعو المستغاث به
 
فصـل
وكثيرًا ما يتصور الشيطان بصورة المدعو المنادى المستغاث به إذا كان ميتًا‏.‏ وكذلك قد يكون حيًا ولا يشعر بالذي ناداه، بل يتصور الشيطان بصورته، فيظن المشرك الضال المستغيث بذلك الشخص أن الشخص نفسه أجابه وإنما هو الشيطان، وهذا يقع للكفار المستغيثين بمن يحسنون به الظن من الأموات والأحياء؛ كالنصارى المستغيثين بجرجس وغيره من قداديسهم، ويقع لأهل الشرك والضلال من المنتسبين إلى الإسلام الذين يستغيثون بالموتى والغائبين، يصور لهم الشيطان في صورة ذلك المستغاث به وهو لا يشعر‏.‏
وأعرف عددًا كثيرًا وقع لهم في عدة أشخاص يقول لي كل من الأشخاص‏:‏ أني لم أعرف أن هذا استغاث بي، والمستغيث قد رأى ذلك الذي هو على صورة هذا، وما اعتقد أنه إلا هذا‏.‏ وذكر لي غير واحد أنهم استغاثوا بي، كل يذكر قصة غير قصة صاحبه، فأخبرت كلا منهم أني لم أجب أحدًا منهم ولا علمت باستغاثته، فقيل‏:‏/ هذا يكون ملكًا، فقلت‏:‏ الملك لا يغيث المشرك، إنما هو شيطان أراد أن يضله‏.‏
وكذلك يتصور بصورته ويقف بعرفات، فيظن من يحسن به الظن أنه وقف بعرفات، وكثير منهم حمله الشيطان إلى عرفات أو غيرها من الحرم، فيتجاوز الميقات بلا إحرام ولا تلبية، ولا يطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة، وفيهم من لا يعبر مكة، وفيهم من يقف بعرفات ويرجع ولا يرمي الجمار، إلى أمثال ذلك من الأمور التي يضلهم بها الشيطان حيث فعلوا ما هو منهي عنه في الشرع، إما محرم وإما مكروه ليس بواجب ولا مستحب، وقد زين لهم الشيطان أن هذا من كرامات الصالحين، وهو من تلبيس الشيطان، فإن اللّه لا يُعبَد إلا بما هو واجب أو مستحب، وكل من عبد عبادة ليست واجبة ولا مستحبة ـ وظنها واجبة أو مستحبة ـ فإنما زين ذلك له الشيطان، وإن قدر أنه عفي عنه لحسن قصده واجتهاده، لكن ليس هذا مما يكرم اللّه به أولياءه المتقين، إذ ليس في فعل المحرمات والمكروهات إكرام، بل الإكرام حفظه من ذلك ومنعه منه؛ فإن ذلك ينقصه لا يزيده، وإن لم يعاقب عليه بالعذاب فلابد أن يَخْفِضَه عما كان ويخفض أتباعه الذين يمدحون هذه الحال ويعظمون صاحبها، فإن مدح المحرمات والمكروهات وتعظيم صاحبها هو من الضلال عن سبيل اللّه، وكلما ازداد العبد في / البدع اجتهادًا ازداد من اللّه بعدًا؛ لأنها تخرجه عن سبيل اللّه ـ سبيل الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ـ إلى بعض سبيل المغضوب عليهم والضالين‏.‏