َسُئِلَ عمن يقول أن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة
 
وَسُئِلَ ـ رحمهُ اللّه ـ عمن يقول‏:‏ إن النصوص لا تفي بعشر مِعْشار الشريعة، هل قوله صواب‏؟‏ وهل أراد النص الذي لا يحتمل التأويل أو الألفاظ الواردة المحتملة‏؟‏ ومن نفي القياس، وأبطله من الظاهرية‏:‏ هل قوله صواب‏؟‏ وما حجته على ذلك‏؟‏ وما معنى قولهم‏:‏ النص‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد للّه رب العالمين، هذا القول قاله طائفة من أهل الكلام والرأي؛ كأبي المعالي، وغيره، وهو خطأ، بل الصواب الذي عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ إنها وافية بجميع ذلك، وإنما أنكر ذلك من أنكره؛ لأنه لم يفهم معانى النصوص العامة التي هي أقوال اللّه ورسوله وشمولها لأحكام أفعال العباد، وذلك أن اللّه بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم، فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كلية، وقاعدة عامة، تتناول أنواعًا كثيرة، وتلك الأنواع تتناول أعيانًا لا تحصى، فبهذا الوجه تكون النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد‏.‏
/ مثال ذلك‏:‏ أن لله حرم الخمر، فظن بعض الناس أن لفظ الخمر لا يتناول إلا عصير العنب خاصة، ثم من هؤلاء من لم يحرم إلا ذلك أو حرم معه بعض الأنبذة المُسْكرة، كما يقول ذلك من يقوله من فقهاء الكوفة، فإن أبا حنيفة يحرم عصير العنب المشتد الزَّبَد، وهذا الخمر عنده، ويحرم المطبوخ منه ما لم يذهب ثلثاه، فإذا ذهب ثلثاه لم يحرمه‏.‏ ويحرم النيئ من نبيذ التمر، فإن طبخ أدنى طبخ حل عنده‏.‏ وهذه المسكرات الثلاثة ليست خمرًا عنده مع أنها حرام، وما سوى ذلك من الأنبذة فإنما يحرم منه ما يسكر‏.‏
وأما محمد بن الحسن فوافق الجمهور في تحريم كل مسكر قليله وكثيره، وبه أفتى المحققون من أصحاب أبي حنيفة، وهو اختيار أبي الليث السَّمَرْقَنْدي‏.‏
ومن العلماء من حرم كل مسكر بطريق القياس؛ إما في الاسم، وإما في الحكم، وهذه الطريقة التي سلكها طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد يظنون أن تحريم كل مسكر إنما كان بالقياس في الأسماء، أو القياس في الحكم‏.‏
والصواب الذي عليه الأئمة الكبار أن الخمر المذكورة في القرآن تناولت كل مسكر
بالنص العام /والكلمة الجامعة لا بالقياس وحده، وإن كان القياس دليلًا آخر يوافق النص، وثبتت ـ أيضًا ـ نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم كل مسكر، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام‏)‏، وفي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل شراب أسكر فهو حرام‏)‏، وفي الصحيحين عن أبي موسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل فقيل له‏:‏ عندنا شراب من العسل يقال له‏:‏ البِتْع ‏[‏البِتْعُ ـ بسكون التاء‏:‏ نبيذ العسل، وهو خمر أهل اليمن‏.‏ وقد تحرك التاء كقِمْع وقِمعٍ‏]‏ ، وشراب من الذرة يقال له‏:‏ المِزْر ‏[‏المِزْرُ ـ بكسر الميم وسكون الزاي وضم الراء ـ‏:‏ نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل‏:‏ من الشعير أو الحنطة‏]‏ ‏؟‏ قال‏:‏ وكان قد أوتي جوامع الكلم فقال‏:‏ ‏(‏كل مسكر حرام‏)‏ إلى أحاديث أخر يطول وصفها‏.‏
وعلى هذا، فتحريم ما يسكر من الأشربة والأطعمة كالحشيشة المسكرة ثابت بالنص، وكان هذا النص متناولًا لشرب الأنواع المسكرة من أي مادة كانت؛ من الحبوب أو الثمار، أو من لبن الخيل، أو من غير ذلك‏.‏
ومن ظن أن النص إنما يتناول خمر العنب قال‏:‏ إنه لم يبين حكم هذه المسكرات التي هي في الأرض أكثر من خمر العنب، بل كان ذلك ثابتًا بالقياس، وهؤلاء غلطوا في فهم النص‏.‏ ومما يبين ذلك أنه قد ثبت بالأحاديث الكثيرة المستفيضة أن الخمر لما حُرِّمت لم يكن بالمدينة / من خمر العنب شيء؛ فإن المدينة لم يكن فيها شجر العنب وإنما كان عندهم النخل، فكان خمرهم من التمر، ولما حرمت الخمر أراقوا تلك الأشربة التي كانت من التمر، وعلموا أن ذلك الشراب هو خمر محرم، فعلم أن لفظ الخمر لم يكن عندهم مخصوصًا بعصير العنب، وسواء كان ذلك في لغتهم فتناول، أو كانوا عرفوا التعميم ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه المبين عن الله مراده، فإن الشارع يتصرف في اللغة تصرف أهل العرف، يستعمل اللفظ تارة فيما هو أعم من معناه في اللغة، وتارة فيما هو أخص‏.‏
وكذلك لفظ الميسر هو عند أكثر العلماء يتناول اللعب بالنِّرْد والشطرنج، ويتناول بيوع الغَرَر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيها معني القمار الذي هو مَيْسِر؛ إذ القمار معناه‏:‏ أن يوخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة هل يحصل له عوضه، أو لا يحصل‏؟‏ كالذي يشتري العبد الآبِق، والبعير الشارد، وحَبَلَ الحِبْلَة، ونحو ذلك مما قد يحصل له وقد لا يحصل له، وعلى هذا فلفظ الميسر في كتاب الله ـ تعالى ـ يتناول هذا كله، وما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر يتناول كل ما فيه مخاطرة، كبيع الثمار قبل بَدْوِ صلاحها وبيع الأجنة في البطون، وغير ذلك‏.‏
ومن هذا الباب‏:‏ لفظ الربا، فإنه يتناول كل ما نهى عنه من ربا / النَّسَأ وربا الفضل؛ والقرض الذي يَجُرُّ منفعة وغير ذلك، فالنص متناول لهذا كله، لكن يحتاج في معرفة دخول الأنواع والأعيان في النص إلى ما يستدل به على ذلك، وهذا الذي يسمي‏:‏ تحقيق المناط‏.‏
وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 228‏]‏، ونحو ذلك، يعم بلفظه كل مُطَلَّقة، ويدل على أن كل طلاق فهو رَجْعي؛ ولهذا قال أكثر العلماء بذلك، وقالوا‏:‏ لا يجوز للرجل أن يطلق المرأة ثلاثًا، ويدل ـ أيضًا ـ على أن الطلاق لا يقع إلا رجعيًا، وأن ما كان بائنًا فليس من الطلقات الثلاث، فلا يكون الخلع من الطلقات الثلاث كقول ابن عباس والشافعي في قول، وأحمد في المشهور عنه، لكن بينهم نزاع، هل ذلك مشروط بأن يخلو الخلع عن لفظ الطلاق ونيته، أو بالخلو عن لفظه فقط، أو لا يشترط شيء من ذلك‏؟‏ على ثلاثة أقوال‏.‏
وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏، و‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏، هو متناول لكل يمين من أيمان المسلمين، فمن العلماء من قال‏:‏ كل يمين من أيمان المسلمين ففيها كفارة، كما دل عليه الكتاب والسنة‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ لا يتناول النص إلا الحلف باسم الله، وغير ذلك لا تنعقد ولا شيء فيها‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل /هي أيمان يلزم الحالف بها ما التزمه ولا تدخل في النص، ولا ريب أن النص يدل على القول الأول، فمن قال‏:‏ إن النص لم يبين حكم جميع أيمان المسلمين كان هذا رأيًا منه، لم يكن هذا مدلول النص‏.‏
وكذلك الكلام في عامة مسائل النزاع بين المسلمين إذا طلب ما يفصل النزاع من نصوص الكتاب والسنة وجد ذلك، وتبين أن النصوص شاملة لعامة أحكام الأفعال‏.‏ وكان الإمام أحمد يقول‏:‏ إنه ما من مسألة يسأل عنها إلا وقد تكلم الصحابة فيها أو في نظيرها، والصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص، كما هو مشهور عنهم، وكانوا يجتهدون رأيهم ويتكلمون بالرأي ويحتجون بالقياس الصحيح ـ أيضًا‏.‏
والقياس الصحيح نوعان‏:‏
أحدهما‏:‏ أن يعلم أنه لا فارق بين الفرع والأصل إلا فرق غير مؤثر في الشرع، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه سئل عن فَأْرة وقعت في سَمْن فقال‏:‏ ‏[‏ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم‏]‏ ، وقد أجمع المسلمون على أن هذا الحكم ليس مختصًا بتلك الفأرة وذلك السمن؛ فلهذا قال جماهير العلماء‏:‏ إنه أي نجاسة وقعت في دهن من الأَدْهَان، كالفأرة التي تقع في الزيت، وكالهِرِّ الذي يقع في السمن فحكمها حكم تلك الفأرة التي وقعت في السمن‏.‏ ومن قال من/ أهل الظاهر‏:‏ إن هذا الحكم لا يكون إلا في فأرة وقعت في سمن فقد أخطأ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص الحكم بتلك الصورة لكن لما استفتي عنها أفتي فيها، والاستفتاء إذا وقع عن قضية معينة أو نوع فأجاب المفتي عن ذلك خصه لكونه سئل عنه، لا لاختصاصه بالحكم‏.‏
ومثل هذا أنه سئل عن رجل أحرم بالعمرة وعليه جُبَّةٌ مُضَمَّخة بخَلُوق فقال‏:‏ ‏[‏انزع عنك الجبة واغسل عنك الخلوق، واصنع في عمرتك ما كنت تصنع في حجك‏]‏ ، فأجابه عن الجبة، ولو كان عليه قميص أو نحوه كان الحكم كذلك بالإجماع‏.‏
والنوع الثاني من القياس‏:‏ أن ينص على حكم لمعني من المعاني، ويكون ذلك المعني موجودًا في غيره، فإذا قام دليل من الأدلة على أن الحكم متعلق بالمعني المشترك بين الأصل والفرع سوي بينهما، وكان هذا قياسًا صحيحًا‏.‏
فهذان النوعان كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يستعملونهما، وهما من باب فَهْم مراد الشارع؛ فإن الاستدلال بكلام الشارع يتوقف على أن يعرف ثبوت اللفظ عنه وعلى أن يعرف مراده باللفظ، وإذا عرفنا مراده، فإن علمنا أنه حكم للمعني المشترك لا لمعنى يخص / الأصل أثبتنا الحكم حيث وجد المعنى المشترك، وإن علمنا أنه قصد تخصيص الحكم بمورد النص منعنا القياس، كما أنا علمنا أن الحج خص به الكعبة، وأن الصيام الفرض خص به شهر رمضان، وأن الاستقبال خص به جهة الكعبة، وأن المفروض من الصلوات خص به الخمس، ونحو ذلك، فإنه يمتنع هنا أن نقيس على المنصوص غيره‏.‏
وإذا عَيَّنَ الشارع مكانًا أو زمانًا للعبادة كتعيين الكعبة وشهر رمضان، أو عين بعض الأقوال والأفعال، كتعيين القراءة في الصلاة والركوع والسجود، بل وتعيين التكبير وأم القرآن، فإلحاق غير المنصوص به يشبه حال أهل إلىمن الذين أسقطوا تعيين الأشهر الحرم، وقالوا‏:‏ المقصود أربعة أشهر من السنة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 37‏]‏‏.‏ وقياس الحلال بالنص على الحرام بالنص من جنس قياس الذين قالوا‏:‏‏{‏إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏ ، وكذلك قياس المشركين الذين قاسوا الميتة بالمُذَكَّي، وقالوا‏:‏ أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله‏؟‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عليه وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 121‏]‏، فهذه الأقيسة الفاسدة‏.‏
وكل قياس دل النص على فساده فهو فاسد، وكل مَنْ الحق / منصوصًا بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد، وكل من سوي بين شيئين أو فرق بين شيئين بغير الأوصاف المعتبرة في حكم الله ورسوله فقياسه فاسد، لكن من القياس ما يعلم صحته، ومنه ما يعلم فساده، ومنه ما لم يتبين أمره‏.‏ فمن أبطل القياس مطلقًا فقوله باطل، ومن استدل بالقياس المخالف للشرع فقوله باطل، ومن استدل بقياس لم يقم الدليل على صحته فقد استدل بما لا يعلم صحته، بمنزلة من استدل برواية رجل مجهول لا يعلم عدالته‏.‏
فالحجج الأَثَرِية والنظرية تنقسم إلى‏:‏ ما يعلم صحته، وإلى ما يعلم فساده، وإلى ما هو موقوف حتي يقوم الدليل على أحدهما‏.‏ ولفظ النص يراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة، سواء كان اللفظ دلالته قطعية أو ظاهرة، وهذا هو المراد من قول من قال‏:‏ النصوص تتناول أحكام أفعال المكلفين‏.‏ ويراد بالنص ما دلالته قطعية لا تحتمل النقيض، كقوله‏:‏ ‏{‏تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏، و ‏{‏اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ‏}‏ ‏[‏الشوري‏:‏ 17‏]‏، فالكتاب هو النص، والميزان هو العدل‏.‏
والقياس الصحيح من باب العدل؛ فإنه تسوية بين المتماثلين وتفريق بين المختلفين، ودلالة القياس الصحيح توافق دلالة النص، فكل قياس خالف دلالة النص فهو قياس فاسد، ولا يوجد نص يخالف قياسًا صحيحًا، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح‏.‏
/ ومن كان متبحرًا في الأدلة الشرعية أمكنه أن يستدل على غالب الأحكام بالنصوص وبالأقيسة‏.‏ فثبت أن كل واحد من النص والقياس دل على هذا الحكم، كما ذكرناه من الأمثلة، فإن القياس يدل على تحريم كل مسكر كما يدل النص على ذلك، فإن الله حرم الخمر؛ لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء، وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، كما دل القرآن على هذا المعني، وهذا المعني موجود في جميع الأشربة المسكرة، لا فرق في ذلك بين شراب وشراب‏.‏ فالفرق بين الأنواع المشتركة من هذا الجنس تفريق بين المتماثلين، وخروج عن موجب القياس الصحيح، كما هو خروج عن موجب النصوص، وهم معترفون بأن قولهم خلاف القياس، لكن يقولون‏:‏ معنا آثار توافقه اتبعناها، ويقولون‏:‏ إن اسم الخمر لم يتناول كل مسكر‏.‏ وغلطوا في فهم النص ـ وإن كانوا مجتهدين مثابين على اجتهادهم - ومعرفة عموم الأسماء الموجودة في النص وخصوصها من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ على رَسُولِهِ وَاللّهُ علىمٌ حَكِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 97‏]‏‏.‏
والكلام في ترجيح نُفَاة القياس ومثبتيه يطول استقصاؤه، لا تحتمل هذه الورقة بسطه أكثر من هذا ‏.‏ والله أعلم‏.‏