عامة ما ذم الله به المشركين هو الشرك
 
الوجه العاشر
أن عامة ما ذم الله به المشركين في القرآن من الدين المنهي عنه إنما هو الشرك والتحريم وكذلك حكي عنهم في قوله‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 35‏]‏ وذلك في النحل وفي الزخرف ‏{‏وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 20‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 21‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 59‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 103‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 32‏]‏‏.‏ وأما من ترك المأمور به فقد ذمهم الله كما ذمهم على ترك الإيمان به وبأسمائه وآياته وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وترك الصلاة والزكاة والجهاد وغير ذلك من الأعمال‏.‏ والشرك قد تقدم أن أصله ترك المأمور به من عبادة الله واتباع رسله‏.‏ وتحريم الحلال فيه ترك ما أمروا به من الاستعانة به على عبادته‏.‏ ولما كان أصل المنهي عنه الذي فعلوه الشرك والتحريم روي في الحديث‏:‏ ‏(‏بعثت بالحنيفية السمحة‏)‏ فالحنيفية ضد الشرك‏.‏ والسماحة ضد الحجر والتضييق وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه‏:‏ ‏(‏إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا‏)‏‏.‏ وظهر أثر هذين الذنبين في المنحرفة من العلماء والعباد والملوك والعامة بتحريم ما أحله الله تعالى والتدين بنوع شرك لم يشرعه الله تعالى والأول يكثر في المتفقهة والمتورعة والثاني يكثر في المتصوفة والمتفقرة‏.‏ فتبين بذلك أن ما ذمه الله تعالى وعاقب عليه من ترك الواجبات أكثر مما ذمه الله وعاقب عليه من فعل المحرمات‏.‏