الأمر أصل والنهي فرع
 
الوجه الخامس عشر
أن الأمر أصل والنهي فرع، فإن النهي نوع من الأمر، إذ الأمر هو الطلب والاستدعاء والاقتضاء وهذا يدخل فيه طلب الفعل وطلب الترك لكن خص النهي باسم خاص كما جرت عادة العرب أن الجنس إذا كان له نوعان أحدهما يتميز بصفة كمال أو نقص أفردوه باسم وأبقوا الاسم العام على النوع الآخر كما يقال‏:‏ مسلم، ومنافق‏.‏ ويقال نبي ورسول‏.‏ ولهذا تنازع الفقهاء‏:‏ لو قال لها‏:‏ إذا خالفت أمري فأنت طالق فعصت نهيه هل يحنث‏؟‏ على ثلاثة أوجه لأصحابنا وغيرهم‏:‏ أحدها‏:‏ يحنث لأن ذلك مخالفة لأمره في العرف ولأن النهي نوع من الأمر‏.‏
والثاني‏:‏ لا يحنث لعدم الدخول فيه في اللغة كما زعموا‏.‏ والثالث‏:‏ يفرق بين العالم بحقيقة الأمر والنهي وغير العالم‏.‏ والأول هو الصواب‏.‏ فكل من عصى النهي فقد عصى الأمر لأن الأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء والناهي مستدع من النهي فعلا‏:‏ إما بطريق القصد أو بطريق اللزوم فإن كان نوعا منه فالأمر أعم والأعم أفضل وإن لم يكن نوعا منه فهو أشرف القسمين، ولهذا اتفق العلماء على تقديمه على النهي وبذلك جاء الكتاب والسنة قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 157‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏‏.‏