فصل في هل الحوالة مخالفة للقياس
 
فصل
وأما ‏[‏الحوالة‏]‏ فمن قال‏:‏ تخالف القياس قال‏:‏ إنها بيع دين بدين وذلك لا يجوز وهذا غلط من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام ولا إجماع‏.‏ وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض وهذا كما لو أسلم شيئًا في شيء في الذمة وكلاهما مؤخر فهذا لا يجوز بالاتفاق وهو بيع كالئ بكالئ‏.‏
وأما بيع الدين بالدين فينقسم إلى بيع واجب بواجب كما ذكرناه وينقسم إلى بيع ساقط بساقط وساقط بواجب‏.‏ وهذا فيه نزاع‏.‏ الوجه الثاني‏:‏ أن الحوالة من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع‏.‏ فإن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي له في ذمة المحيل ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء فقال في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع‏)‏‏.‏
فأمر المدين بالوفاء ونهاه عن المطل وبين أنه ظالم إذا مطل وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 178‏]‏ أمر المستحق أن يطالب بالمعروف وأمر المدين أن يؤدي بإحسان‏.‏
ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وإن كان فيه شوب المعاوضة وقد ظن بعض الفقهاء أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين بسبب أن الغريم إذا قبض الوفاء صار في ذمته للمدين مثله يتقاص ما عليه بماله وهذا تكلف أنكره جمهور الفقهاء وقالوا‏:‏ بل نفس المال الذي قبضه يحصل به الوفاء ولا حاجة أن نقدر في ذمة المستوفي دينًا وأولئك قصدوا أن يكون وفاء الدين بدين وهذا لا حاجة إليه بل الدين من جنس المطلق الكلي والمعين من جنس المعين فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة وأي معين استوفاه حصل به المقصود من ذلك الدين المطلق ‏.‏