باب الوضوء : سئل‏:‏ أيما أفضل‏ المداومة على الوضوء أم ترك المداومة‏؟‏
 
وَسُئِلَ‏:‏ أيما أفضل‏:‏ المداومة على الوضوء أم ترك المداومة‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما الوضوء عند كل حدث ففيه حديث بلال المعروف عن بُرَيْدَة بن حُصَيْب قال‏:‏ أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال‏:‏ ‏(‏يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة‏؟‏ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي‏!‏ دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت‏:‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لرجل عربي‏.‏ فقلت‏:‏ أنا عربي‏!‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لرجل من قريش‏.‏ قلت‏:‏ أنا رجل من قريش‏!‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لعمر بن الخطاب‏)‏، فقال بلال‏:‏ يا رسول اللّه ما أذَّنتُ قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها فرأيت أن للّه على ركعتين، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بهما‏)‏، قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏
وهذا يقتضي استحباب الوضوء عند كل حدث، ولا يعارض ذلك الحديث الذي في الصحيـح عن ابن عباس قال‏:‏ كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط، فأتي بطعام فقيل له‏:‏ ألا تـتوضأ‏؟‏ قال‏:‏‏(‏ لم أصـل فأتوضأ‏)‏، فإن هذا ينفي وجـوب الوضوء، وينفي أن يكون مأمورًا بالوضوء لأجل مجرد الأكل، ولم نعلم أحداً استحب الوضوء للأكل‏.‏ وهل يكره أو يستحب‏؟‏ على قولين هما روايتان عن أحمد‏.‏ فمن استحب ذلك احتج بحديث سلمان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قرأت في التوراة‏:‏ إن من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده‏.‏ ومن كرهه قال‏:‏ لأن هذا خلاف سنة المسلمين، فإنهم لم يكونوا يتوضؤون قبل الأكل، وإنما كان هذا من فعل اليهود فيكره التشبه بهم‏.‏ وأما حديث سلمان فقد ضعفه بعضهم‏.‏
وقد يقال‏:‏ كان هذا في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولهذا كان يسدل شعره موافقة لهم، ثم فرق بعد ذلك، ولهذا صام عاشوراء لما قدم المدينة، ثم إنه قال قبل موته‏:‏ ‏(‏لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع‏)‏ يعني‏:‏ مع العاشر، لأجل مخالفة اليهود‏.‏