باب نواقض الوضوء : سئل:عن لمس النساء هل ينقض الوضوء أم لا؟ |
وَسُئِل:َ عن لمس النساء هل ينقض الوضوء أم لا؟
فأجاب: الحمد للّه، أما نقض الوضوء بلمس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال: طرفان ووسط. أضعفها: أنه ينقض ـ اللمس ـ وإن لم يكن لشهوة إذا كان الملموس مظنة للشهوة. وهو قول الشافعي؛ تمسكا بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [المائدة: 6]، وفي القراءة الأخرى: [أو لمستم]. القول الثاني: أن اللمس لا ينقض بحال وإن كان لشهوة. كقول أبي حنيفة وغيره. وكلا القولين يذكر رواية عن أحمد لكن ظاهر مذهبه كمذهب مالك، والفقهاء السبعة: أن اللمس إن كان لشهوة، نقض وإلا فلا. وليس في المسألة قول متوجه إلا هذا القول أو الذي قبله. فأما تعليق النقض بمجرد اللمس فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة، وخـلاف الآثار. وليس مع قائله نص ولا قياس. فإن كان اللمس في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}،إذا أريد بـه اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك ـ كما قاله ابن عمر وغيره ـ: فقد علم أنـه حيث ذكر مثل ذلك في الكتاب والسـنة فإنما يراد به ما كان لشهـوة، مثـل قولـه في آيـة الاعتكاف: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه بخلاف المباشرة لشهوة. وكذلك المحرم ـ الذي هو أشد ـ لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه ولم يجب عليه به دم. وكذلك قوله: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49]، وقوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ} [البقرة: 236]، فإنه لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء، بخلاف ما لو مس المرأة لشهوة ولم يخل بها ولم يطأها: ففي استقرار المهر بذلك نزاع معروف بين العلماء في مذهب أحمد وغيره. فمن زعم أن قوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [المائدة: 6]، يتناول اللمس ـ وإن لم يكن لشهوة ـ فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم. وأيضًا، فإنه لا يقول: إن الحكم معلق بلمس النساء مطلقًا، بل بصنف من النساء وهو ما كان مظنة الشهوة. فأما مس من لا يكون مظنة ـ كذوات المحارم والصغيرة ـ فلا ينقض بها. فقد ترك ما ادعاه من الظاهر واشترط شرطًا لا أصل له بنص ولا قياس، فإن الأصول المنصوصة تفرق بين اللمس لشهوة واللمس لغير شهوة، لا تفرق بين أن يكون الملموس مظنة الشهوة أو لا يكون، وهذا هو المس المؤثر في العبادات كلها، كالإحرام والاعتكاف والصيام وغير ذلك وإذا كان هذا القول لا يدل عليه ظاهر اللفظ ولا القياس، لم يكن له أصل في الشرع. وأما من علق النقض بالشهوة فالظاهر المعروف في مثل ذلك دليل له، وقياس أصول الشريعة دليل. ومن لم يجعل اللمس ناقضًا بحال، فإنه يجعل اللمس إنما أريد به الجماع؛ كما في قوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، ونظائره كثيرة.وفي السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، لكن تكلم فيه. وأيضًا، فمن المعلوم أن مس الناس نساءهم مما تعم به البلوى، ولا يزال الرجل يمس امرأته؛ فلو كان هذا مما ينقض الوضوء لكان النبي صلى الله عليه وسلم بينه لأمته؛ ولكان مشهورًا بين الصحابة، ولم ينقل أحد أن أحدًا من الصحابة كان يتوضأ بمجرد ملاقاة يده لامرأته أو غيرها، ولا نقل أحد في ذلك حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: فعلم أن ذلك قول باطل، والله أعلم. |