باب الغسل : سئل: عمن يدخل الحمام هل له كشف العورة في الخلوة؟
 
وَسُئِلَ عمن يدخل الحمام هل يجوز له كشف العورة في الخلوة‏؟‏ وما هو الذي يفعله من آداب الحمام‏؟‏
فأجاب‏:‏
لا يلزم المتطهر كشف عورته، لا في الخلوة، ولا في غيرها، إذا طهر جميع بدنه‏.‏ لكن إن كشفها في الخلوة لأجل الحاجة‏:‏ كالتطهر، والتخلي، جاز كما ثبت في الصحيح أن موسى ـ عليه السلام ـ اغتسل عريانًا، وأن أيوب ـ عليه السلام ـ اغتسل عريانًا وفي الصحيح أن فاطمة‏:‏ كانت تستر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بثوب وهو يغتسل، ثم صلى ثماني ركعات وهي التي يقال لها صلاة الضحى‏.‏ ويقال‏:‏ إنها صلاة الفتح، وفي الصحيح ـ أيضًا ـ أن ميمونة سترته فاغتسل‏.‏
وعلى داخل الحمام أن يستر عورته، فلا يمكن أحدًا من نظرها ولا لمسها، سواء كان القيم الذي يغسله أو غيره، ولا ينظر إلى عورة أحد ولا يلمسها، إذا لم يحتج إلى ذلك لأجل مداواة أو غيرها، فذاك شيء آخر‏.‏ وعليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بحسب الإمكان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ فيأمر بتغطية العورات فإن لم يمكنه ذلك وأمكنه أن يكون حيث لا يشهد منكرًا فليفعل ذلك، إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه‏.‏
وليس له أن يسرف في صب الماء؛ لأن ذلك منهي عنه مطلقًا، وهو في الحمام ينهي عنه لحق الحمامي؛ لأن الماء الذي فيها مال من أموال له قيمة، وعليه أن يلزم السنة في طهارته؛ فلا يجفو جفاء النصارى، ولا يغلو غلو اليهود‏.‏ كما يفعل أهل الوسوسة، بل حياض الحمام طاهرة، ما لم تعلم نجاستها، سواء كانت فائضة أو لم تكن، وسواء كانت الأنبوب تصب فيها، أو لم تكن، وسواء بات الماء أو لم يبت، وسواء تطهر منها الناس أو لم يتطهروا‏.‏ فإذا اغتسل منها جماعة جاز ذلك، فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر الفرق فهذا إناء صغير لا يفيض، ولا أنبوب فيه، وهما يغتسلان منه جميعًا، وفي لفظ‏:‏ فأقول‏:‏ دع لي ويقول‏:‏ دعي لي‏.‏
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر‏:‏ أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد‏.‏ وقد ثبت عنه أنه كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع‏.‏ والصاع عند أكثر العلماء يكون بالرطل المصري أقل من خمسة أرطال، نحو خمسة إلا ربعًا، والمد ربع ذلك‏.‏ وقيل ‏:‏هو نحو من سبعة أرطال بالمصري‏.‏
وليس للإنسان أن يقول‏:‏ الطاسة إذا وقعت على أرض الحمام تنجست، فإن أرض الحمام الأصل فيها الطهارة، وما يقع فيها من نجاسة كبول فهو يصب عليه من الماء ما يزيله، وهو أحسن حالا من الطرقات بكثير، والأصل فيها الطهارة، بل كما يتيقن أنه لابد أن يقع على أرضها نجاسة، فكذلك يتيقن أن الماء يعم ما تقع عليه النجاسة، ولو لم يعلم ذلك، فلا يجزم على بقعة بعينها أنها نجسة، إن لم يعلم حصول النجاسة فيها‏.‏ والله أعلم‏.‏