باب الغسل : سئل:فيمن دخل الحمام بلا مئزر مكشوف العورة؟
 
مَا تقول السَّادة العُلمَاء ـ رضي الله عَنهم أجمعين ـ فيمن دخل الحمام بلا مئزر، مكشوف العورة‏:‏ هل يحرم ذلك أم لا‏؟‏ وهل يجب على ولي الأمر منع من يفعل ذلك أم لا‏؟‏ وهل يجب على ولي الأمر ـ أيضًا ـ أن يلزم مستأجر الحمام ألاّ يمكن أحدًا من دخول حمامه مكشوف العورة أم لا‏؟‏ وفيمن يقعد في الحمام وقت صلاة الجمعة ويترك الصلاة‏:‏ هل يمنع من ذلك أم لا‏؟‏ أفتونا، وابسطوا القول في ذلك‏.‏
فأجاب شيخ الإسلام بقية السلف الكرام، الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية‏:‏
الحمد للَّه، نعم يحرم عليه ذلك باتفاق الأئمة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهي الناس عن الحمام ‏[‏بغير مئزر‏]‏، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر‏)‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏نهي النساء من الدخول مطلقًا إلا لمعذرة‏)‏ وفي الحديث الثابت عنه الذي استشهد به البخاري حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه قال له‏:‏‏(‏احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ فإذا كان القوم بعضهم في بعض‏؟‏ قال‏:‏ إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال‏:‏ قلت‏:‏ يارسول الله، إذا كان أحـدنا خاليا، قال‏:‏ ‏(‏ فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال‏:‏ حسن‏.‏ وابن ماجه‏.‏
وعلى ولاة الأمور النهي عن ذلك، وإلزام الناس بألا يدخل أحد الحمام مع الناس إلا مستور العورة، وإلزام أهل الحمام بأنهم لا يمكنون الناس من دخول حماماتهم إلا مستوري العورة، ومن لم يطع الله ورسوله وولاة الأمر من أهل الحمام، والداخلين، عوقب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله من أهل الفواحش، الذين لا يستحيون لا من الله ولا من عباده؛ فإن إظهار العورات من الفواحش‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}‏ ‏[‏النور‏:‏ 30‏]‏، وغض البصر واجب عما لا يحل التمتع بالنظر إليه‏:‏ من النسوة الأجنبيات، ونحو ذلك، وعن العورات، وإن لم يكن بالنظر إليها لذة لفحش ذلك‏.‏
ولهذا كان على داخل الحمام أن يغض بصره عمن كان مكشوف العورة، وإن كان ذلك الرجل قد عصى بكشفها، وعليه أن يأمر المكشوف بالاستتار، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يجب على الناس، وكذلك حفظ الفروج يكون عن الاستمتاع المنهي عنه، وعن إظهارها لمن ليس له أن يراها‏.‏ كما ينهي الرجل عن مس عورة غيره، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يباشر الرجل الرجل في ثوب واحد، وأن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد، وأمر بالتفريق في المضاجع بين الصبيان إذا بلغوا عشر سنين‏.‏ كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏احفظ عورتك إلا من زوجتـك، أو ما ملكت يمينك‏)‏ لما قال له‏:‏ يا رسول الله عوراتنا، ما نأتي‏؟‏ وما نذر‏؟‏‏.‏‏.‏‏.‏ فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال‏:‏ ‏(‏إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ فإذا كان أحدنا خاليًا، قال‏:‏ ‏(‏فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس‏)‏ فأمر بسترها في الخلوة‏.‏ وهذا واجب عند أكثر العلماء‏.‏
وأما إذا اغتسل في مكان خال بجنب حائط أو شجرة ونحو ذلك في بيته أو حمام أو نحو ذلك فإنه يجوز له كشفها في هذه الصورة، عند الجمهور‏.‏ كما ثبت في الصحيح‏:‏ أن موسى اغتسل عريانًا وأن أيوب‏:‏ اغتسل عريانًا وأن فاطمة كانت تستر النبي صلى الله عليه وسلم بثوب ثم يغتسل‏.‏
وهذا كشف للحاجة بمنزلة كشفها عند التخلى والجماع بمقدار الحاجة ولهذا كره العلماء للمتخلي أن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض‏.‏
وتنازعوا في نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر‏:‏ هل يكره أو لا يكره‏؟‏ أم يكره وقت الجماع خاصة‏؟‏ على ثلاثة أقوال معروفة، في مذهب أحمد، وغيره‏.‏
وقد كره غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره النزول في الماء بغير مئزر، ورووا عن الحسن والحسين أو أحدهما أنه كره ذلك، وقال‏:‏ إن للماء سكانًا‏.‏
وأما فتح الحمام وقت صلاة الجمعة، وتمكين المسلمين من دخولها هذا الوقت، وقعودهم فيها تاركين لما فرضه الله عليهم من السعي إلى الجمعة، فهذا ـ أيضًا ـ محرم باتفاق المسلمين، وقد حرم الله بعد النداء إلى الجمعة البيع الذي يحتاج إليه الناس في غالب الأوقات، وكان هذا تنبيها على ما دونه، من قعود في الحمام، أو بستان، أو غير ذلك، والجمعة فرض باتفاق المسلمين، فلا يجوز تركها لغير عذر شرعي، وليس دخول الحمام من الأعذار باتفاق المسلمين، بل إن كان لتنعم كان آثما عاصيًا، وإن كانت عليه جنابة أمكنه الاغتسال قبل ذلك، وليس له أن يؤخر الاغتسال، ولا يجوز ترك الصلاة‏.‏
بل على ولاة الأمور أمر جميع من تجب عليه الجمعة بها من أهل الأسواق والدور وغيرهم، ومن تخلف عن هذا الواجب عوقب على ذلك عقوبة تحمله وأمثاله على فعل ذلك‏.‏ فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏من ترك ثلاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله على قلبه‏)‏‏.‏
وهذا الذي ذكرناه من وجوب أمر من تجب عليه الجمعة بها، ونهيه عما يمنعه من الجمعة متفق عليه بين الأئمة‏.‏ والله أعلم‏.‏ كتبه أحمد بن تيمية‏.‏