باب التيمم : فَصْــل:في قوله تعالى‏:‏ ‏{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ}‏
 
فَصْــل
وقوله تعالى‏:‏ ‏{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، يقتضي وجوب الوضوء علي كل مصل مرة بعد مرة، فهو يقتضي التكرار، وهذا متفق عليه بين المسلمين في الطهارة‏.‏ وقد دلت عليه السنة المتواترة، بل هو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه لم يأمرنا بالوضوء لصلاة واحدة، بل أمر بأن يتوضأ كلما صلى‏.‏ ولو صلى صلاة بوضوء، وأراد أن يصلي سائر الصلوات بغير وضوء‏:‏ استتيب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏
لكن المقصود هنا‏:‏ دلالة الآية عليه، وذلك من لفظ ‏[‏الصلاة‏]‏ فإن ‏[‏الصلاة‏]‏ هنا اسم جنس‏.‏ ليس المراد صلاة واحدة‏.‏ فقد أمر إذا قام إلى جنس الصلاة أن يتوضأ‏.‏ والجنس يتناول جميع ما يصليه من الصلوات في جميع عمره‏.‏
فإن قيل‏:‏ هذا يقتضي عموم الجنس، فمن أين التكرار‏؟‏ فإذا قام إلى أي صلاة توضأ، لكن من أين أنه إذا قام إليها يومًا آخر يتوضأ‏؟‏
قيل‏:‏ لأنه في هذا اليوم الثاني قائم إلى الصلاة، فهو مأمور بالوضوء إذا قام إلى مسمي الصلاة، فحيث وجد قيام إلى مسمي الصلاة فهو مأمور بالوضوء متي وجد ذلك‏.‏ فعليه الوضوء‏.‏ وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏، فالمراد‏:‏ جنس الدلوك، فهو مأمور بإقامة الصلاة له‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}‏ ‏[‏طه‏:‏ 130‏]‏، فهو متناول لكل طلوع وغروب، وليس المراد طلوعًا واحدًا، فكأنه قال‏:‏ قبل كل طلوع لها، وقبل كل غروب‏.‏ وأقم الصلاة عند كل دلوك، وكل صلاة يقوم إليها متوضئًا لها‏.‏
وقد تنازع الناس في الأمر المطلق‏:‏ هل يقتضي التكرار‏؟‏ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره‏.‏
قيل‏:‏ يقتضيه، كقول طائفة ـ منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل‏.‏
وقيل‏:‏ لا يقتضيه، كقول كثير ـ منهم أبو الخطاب‏.‏
وقيل‏:‏ إن كان معلقًا بسبب اقتضي التكرار، وهذا هو المنصوص عن أحمد كآية الطهارة والصلاة‏.‏
فإن قيل‏:‏ فهذا لا يتكرر في الطلاق والعتق المعلق‏.‏
قيل‏:‏ لأن عتق الشخص الواحد لا يتكرر‏.‏ وكذلك الطلاق المعلق نفسه لا يتكرر، بل الطلقة الثانية حكمها غير حكم الأولي‏.‏ وهو محدود بثلاث‏.‏ ولكن إذا قال الناذر‏:‏لله علي ـ إن رزقني الله ولدًا ـ أن أعتق عنه‏.‏ وإذا أعطاني مالاً أن أزكيه، أو أتصدق بعشرة‏:‏ تكرر، وبسط هذا له موضع آخر‏.‏