باب التيمم : فصــل: لا يجب على الجنب إلا الاغتسال
 
فصــل
وهو ـ سبحانه ـ أمرنا بالطهارتين الصغرى والكبرى، وبالتيمم على كل منهما، فقال‏:‏ ‏{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ}‏ فأمر بالوضوء‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}‏، فأمر بالتطهر من الجنابة، كما قال في المحيض‏:‏ ‏{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 222‏]‏، وقال في سورة النساء‏:‏ ‏{وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 43‏]‏، وهذا يبين أن التطهر هو الاغتسال‏.‏
والقرآن يدل على أنه لا يجب على الجنب إلا الاغتسال، وأنه إذا اغتسل جاز له أن يقرب الصلاة‏.‏ والمغتسل من الجنابة ليس عليه نية رفع الحدث الأصغر، كما قال جمهور العلماء‏.‏ والمشهور في مذهب أحمد‏:‏ أن عليه نية رفع الحدث الأصغر، وكذلك ليس عليه فعل الوضوء، ولا ترتيب ولا موالاة عند الجمهور‏.‏ وهو ظاهر مذهب أحمد‏.‏
وقيل‏:‏ لا يرتفع الحدث الأصغر إلا بهما‏.‏
وقيل‏:‏ لا يرتفع حتى يتوضأ‏.‏ روي ذلك عن أحمد‏.‏
والقرآن يقتضي أن الاغتسال كاف‏.‏ وأنه ليس عليه بعد الغسل من الجنابة حدث آخر‏.‏ بل صار الأصغر جزءًا من الأكبر‏.‏ كما أن الواجب في الأصغر جزء من الواجب في الأكبر فإن الأكبر يتضمن غسل الأعضاء الأربعة‏.‏
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية واللواتي غَسَّلْن ابنته‏:‏ ‏(‏اغسلنها ثلاثا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك ـ إن رأيتن ذلك ـ بماء وسدر‏.‏ وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏)‏‏.‏
فجعل غسل مواضع الوضوء جزءًا من الغسل، لكنه يقدم كما تقدم الميامن‏.‏
وكذلك الذين نقلوا صفة غسله، كعائشة ـ رضي الله عنها ـ ذكرت أنه كان يتوضأ، ثم يفيض الماء على شعره، ثم على سائر بدنه‏.‏ ولا يقصد غسل مواضع الوضوء مرتين، وكان لا يتوضأ بعد الغسل‏.‏
فقد دل الكتاب والسنة على أن الجنب والحائض لا يغسلان أعضاء الوضوء، ولا ينويان وضوءًا، بل يتطهران ويغتسلان كما أمر الله تعالى‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{فَاطَّهَّرُواْ}‏ أراد به الاغتسال‏.‏ فدل على أن قوله في الحيض‏:‏ ‏{حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}‏ أراد به الاغتسال، كما قاله الجمهور ـ مالك والشافعي وأحمد ـ وأن من قال‏:‏ هو غسل الفرج، كما قاله داود، فهو ضعيف‏.‏