باب التيمم : فَصل: الدليل على أن التيمم مطهر كالماء سواء
 
فَصْــل
وقوله‏:‏ ‏{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ دليل على أن التيمم مطهر كالماء سواء‏.‏
وكذلك ثبت في صحيح السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين‏.‏ فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإن ذلك خير‏)‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه ورواه أبو داود والنسائي‏.‏
وفي الصحيح عنه‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا‏)‏‏.‏
وهو صلى الله عليه وسلم جعل التراب طهورًا في طهارة الحدث وطهارة الجنب‏.‏ كما قال في حديث أبي سعيد‏:‏ ‏(‏إذا أتي أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما، فإن كان بهما أذي أو خبث فليدلكهما بالتراب، فإن التراب لهما طهور‏)‏، وقال في حديث أم سلمة‏:‏ ‏(‏ذيل المرأة يطهره ما بعده‏)‏‏.‏
فدل على أن التيمم مطهر، يجعل صاحبه طاهرًا، كما يجعل الماء مستعمله في الطهارة طاهرًا، إن لم يكن جنبًا ولا محدثًا‏.‏ فمن قال‏:‏ إن المتيمم جنب أو محدث، فقد خالف الكتاب والسنة‏.‏ بل هو متطهر‏.‏
وقوله في حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏أصليت بأصحابك وأنت جنب‏؟‏‏)‏ استفهام‏.‏ أي هل فعلت ذلك‏؟‏ فأخبره عمرو ـ رضي الله عنه ـ أنه لم يفعله بل تيمم لخوفه أن يقتله البرد‏.‏ فسكت صلى الله عليه وسلم عنه، وضحك‏.‏ ولم يقل شيئًا ‏.‏
فإن قيل‏:‏ إن هذا إنكار عليه أنه صلى مع الجنابة، فإنه يدل على أن الصلاة مع الجنابة لا تجوز‏.‏ فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ما هو منكر، فلما أخبره أنه صلى بالتيمم‏.‏ دل على أنه لم يصل وهو جنب‏.‏
فالحديث حجة على من احتج به، وجعل المتيمم جنبًا،ومحدثا، والله يقول‏:‏ ‏{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}‏، فلم يجـز الله له الصـلاة حتى يتطهـر‏.‏ والمتيمم قد تطهر بنص الكتاب والسنة‏.‏ فكيف يكون جنبًا غير متطهر‏؟‏ لكنها طهارة بدل‏.‏ فإذا قدر على الماء بطلت هـذه الطهـارة وتطهـر بالماء حينئـذ؛ لأن البـول المتقدم جعله محدثا‏.‏ والصعيد جعله مطهرًا، إلى أن يجد الماء‏.‏ فإن وجد الماء فهو محدث بالسبب المتقدم لا أن الحدث كان مستمرًا‏.‏
ثم مـن قـال‏:‏ التيمم مبيـح لا رافـع، فـإن نزاعه لفظي‏.‏ فـإنـه إن قـال‏:‏ إنه يبيح الصـلاة مـع الجنابـة والحـدث، وإنـه ليس بطهـور، فهـو يخالف النصوص‏.‏ والجنابة محرمة للصـلاة‏.‏ فيمتنـع أن يجتمع المبيـح والمحـرم على سـبيل التمــام‏.‏ فـإن ذلك يقتضي اجتماع الضـدين‏.‏ والمتيمم غـير ممنـوع مـن الصـلاة‏.‏ فالمنـع ارتفـع بالاتفاق، وحكـم الجنابـة المنـع‏.‏ فــإذا قيــل بوجــوده، بـدون مقتضاهـا ـ وهو المنع ـ فهذا نزاع لفظي‏.‏