الفصل السادس:لفظ الجلالة واعجاز التحدي
 

بسم الله الرحمن الرحيم

لفظ الجلالة واعجاز التحدي

واذا كنا نريد أن نمضي في هذا الاعجاز فأمامنا مجالات كثيرة، لفظ الجلالة، كلمة "الله" سبحانه وتعالى، من أين جاءت، ان الثابت لغويا أن المعنى لا بد أن يوجد أولا ثم يوجد اللفظ والاسم، فاذا لم يوجد المعنى فلا يوجد اللفظ في اللغة، وكل الاختراعات الحديثة التي لم تكن البشرية تعرف عنها شيئا، لم توجد لها أسماء الا بعد أن وجدت وعرفناها، والانسان لا يستطيع أن يفهم الكلام الا اذا كان المعنى موجودا في عقله، ولذلك فان المجامع اللغوية في العالم تضيف كل فترة ألفاظا لمعان لم تكن موجودة ثم وجدت، فكان لا بد أن توجد لها ألفاظ تعبر عنها

وعلى أي حال فان العقل البشري يعجز عن فهم أي لفظ اذا لم يوجد في عقولنا المعنى أولا، حتى انك اذا حدثت أي انسان بلفظ لا يفهمه، فلا بد أن يعرف المعنى أولا ثم بعد ذلك يفهم اللفظ، ولكن الله سبحانه وتعالى غيب عنا، لم يره أحد، ومع ذلك فان لفظ الجلالة موجود في كل لغات العالم، والعقول كلها تفهمه، فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ الا اذا كان في داخلنا الايمان الفطري الذي يعرفنا معنى لفظ الجلالة

وهنا تأتي الآية الكريمة لتبين لنا هذا الاعجاز فيقول الله سبحانه وتعالى

واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا الأعراف 172

اذن فلا بدّ أن الله قد أشهدنا على نفسه، وعندما ذكر لفظ الجلالة فهمناه، ولا بد ان الله سبحانه وتعالى أشهد البشرية كلها، لأنه لا توجد لغة في العالم ليس فيها لفظ الجلالة، بل ان التحدي والاعجاز الالهي يمضي أكثر من ذلك، فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم

رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته مريم 65

وهكذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى ان لفظ الجلالة لن يطلق على أحد غير ذاته الكريمة، وهكذا تحدى الله البشرية كلها في أمر اختياري، فالاسم هو شيء من اختيار الانسان، ويوجد في هذا الكون الكفرة والملحدون وشياطين الانس وغيرهم، فهل سمعت عن واحد سمى نفسه الله، أواسمى ابنه الله؟ لم يحدث ولن يحدث، لأن الحق سبحانه وتعالى اختص بهذا الاسم ذاته الكريمة، فلا يمكن لبشر أن يتخطى مراد الله ليطلق لفظ الجلالة على نفسه أو أحد أولاده، بل ان الذين ادعوا الالوهية مثل فرعون وغيره، ونصبوا أنفسهم آلهة يعبدون من دون الله، لم يجرؤ أحد منهم ولم يخطر على باله أن يسمي نفسه الله

وهكذا جاء التحدي للبشر جميعا في أمر اختياري ليؤكد للدنيا كلها أن أحد لا يستطيع أن يخالف مرادات الله في كونه، ولو كانت هذه المخالفة في منطقة الاختيار للانسان، ولو كانت هذه المخالفة من ملحد محارب لدين الله يريد الاضلال في الأرض، أيوجد دليل مادي أكبر من هذا؟