باب ازالة النجاسة : َسئل: عن الجبن الإفرنجى؟
 
وَسُئِلَ شَيْخ الإسْلاَم ـ رَحمه الله‏:‏ عن الجبن الإفرنجى، والجوخ‏:‏ هل هما مكروهان، أو قال أحد من الأئمة ممن يعتمد قوله إنهما نجسان، وأن الجبن يدهن بدهن الخنزير، وكذلك الجوخ‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد للَّه، أما الجبن المجلوب من بلاد الإفرنج، فالذين كرهوه ذكروا لذلك سببين‏:‏
أحدهما‏:‏ أنه يوضع بينه شحم الخنزير إذا حمل في السفن‏.‏
والثاني‏:‏ أنهم لا يذكون ما تصنع منه الأنفحة، بل يضربون رأس البقر ولا يذكونه‏.‏
فأما الوجه الأول‏:‏ فغايته أن ينجس ظاهر الجبن، فمتى كشط الجبن، أو غسل طهر، فإن ذلك ثبت في الصحيح‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال‏:‏ ‏(‏ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم‏)‏، فإذا كان ملاقاة الفأرة للسمن لا توجب نجاسة جميعه، فكيف تكون ملاقاة الشحم النجس للجبن توجب نجاسة باطنه‏؟‏‏!‏ ومع هذا، فإنما يجب إزالة ظاهره إذا تيقن إصابة النجاسة له، وأما مع الشك، فلا يجب ذلك‏.‏
وأما الوجه الثاني‏:‏ فقد علم أنه ليس كل ما يعقرونه من الأنعام يتركون ذكاته، بل قد قيل‏:‏ أنهم إنما يفعلون هذا بالبقر‏.‏ وقيل‏:‏ إنهم يفعلون ذلك حتى يسقط، ثم يذكونه‏.‏ ومثل هذا لا يوجب تحريم ذبائحهم، بل إذا اختلط الحرام بالحلال في عدد لا ينحصر ـ كاختلاط أخته بأهل بلد، واختلاط الميتة والمغصوب بأهل بلدة ـ لم يوجب ذلك تحريم ما في البلد، كما إذا اختلطت الأخت بالأجنبية، والمذكى بالميت، فهذا القدر المذكور لا يوجب تحريم ذبائحهم المجهولة الحال‏.‏ وبتقدير أن يكون الجبن مصنوعًا من أنفحة ميتة، فهذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء‏:‏
أحدهما‏:‏ أن ذلك مباح طاهر، كما هو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين‏.‏
والثاني‏:‏ أنه حرام نجس‏:‏ كقول مالك، والشافعي،وأحمد في الرواية الأخرى، والخلاف مشهور في لبن الميتة وأنفحتها‏:‏ هل هو طاهر أم نجس‏؟‏ والمطهرون احتجوا بأن الصحابة أكلوا جبن المجوس مع كون ذبائحهم ميتة، ومن خالفهم نازعهم كما هو مذكور في موضع آخر‏.‏
وأما الجوخ، فقد حكى بعض الناس أنهم يدهنونه بشحم الخنزير، وقال بعضهم‏:‏ أنه ليس يفعل هذا به كله، فإذا وقع الشك في عموم نجاسة الجوخ لم يحكم بنجاسة عينه، لإمكان أن تكون النجاسة لم تصبها؛ إذ العين طاهرة، ومتى شك في نجاستها، فالأصل الطهارة‏.‏ ولو تيقنا نجاسة بعض أشخاص نوع دون بعض، لم نحكم بنجاسة جميع أشخاصه ولا بنجاسة ما شككنا في تنجسه، ولكن إذا تيقن النجاسة، أو قصد قاصد إزالة الشك، فغسل الجوخة يطهرها، فإن ذلك صوف أصابه دهن نجس‏.‏ وأصابة البول والدم لثوب القطن والكتان أشد وهو به ألصق‏.‏
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أصاب دم الحيض ثوبها‏:‏‏(‏حتيه، ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ولا يضرك أثره‏)‏‏.‏ والله أعلم‏.‏