باب الحيض : سئل: عن المرأة تطهر من الحيض ولم تجد ماء هل لزوجها أن يطأها قبل غسلها؟
 
وَسُئِل عن المرأة تطهر من الحيض، ولم تجد ماء تغتسل به، هل لزوجها أن يطأها قبل غسلها من غير شرط‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها، فلا يطؤها زوجها حتي تغتسل‏.‏ إذا كانت قادرة على الاغتسال، وإلا تيممت‏.‏ كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي‏.‏
وهذا معني ما يروي عن الصحابة حيث روي عن بضعة عشر من الصحابة ـ منهم الخلفاء ـ أنهم قالوا‏:‏ في المعتدة‏:‏ هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة‏.‏
والقرآن يدل على ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏222‏]‏، قال مجاهد‏:‏ حتي يطهرن، يعني ينقطع الدم، فإذا تطهرن اغتسلن بالماء، وهو كما قال مجاهد‏.‏ وإنما ذكر اللّه غايتين على قراءة الجمهور؛ لأن قوله‏:‏ ‏{حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}‏ غاية التحريم الحاصل بالحيض، وهو تحريم لا يزول بالاغتسال ولا غيره، فهذا التحريم يزول بانقطاع الدم، ثم يبقي الوطء بعد ذلك جائزاً بشرط الاغتسال، لا يبقي محرماً على الاطلاق، فلهذا قال‏:‏ ‏{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ}‏‏.‏ وهذا كقوله ‏:‏ ‏{فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏230‏]‏، فنكاح الزوج الثاني غاية التحريم الحاصل بالثلاث، فإذا نكحت الزوج الثاني زال ذلك التحريم، لكن صارت في عصمة الثاني، فحرمت لأجل حقه، لا لأجل الطلاق الثلاث‏.‏ فإذا طلقها جاز للأول أن يتزوجها‏.‏
وقد قال بعض أهل الظاهر ‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}‏ أي‏:‏ غسلن فروجهن، وليس بشيء؛ لأن اللّه قد قال‏:‏ ‏{وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، فالتطهر في كتاب اللّه هو الاغتسال، وأما قوله‏:‏ ‏{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 222‏]‏، فهذا يدخل فيه المغتسل والمتوضيء والمستنجي، لكن التطهر المقرون بالحيض كالتطهر المقرون بالجنابة‏.‏ والمراد به الاغتسال‏.‏
وأبو حنيفة ـ رحمه اللّه ـ يقول‏:‏ إذا اغتسلت، أو مضي عليها وقت صلاة، أو انقطع الدم لعشرة أيام حلت، بناء على أنه محكوم بطهارتها في هذه الأحوال‏.‏ وقول الجمهور هو الصواب‏.‏ كما تقدم واللّه أعلم‏.‏