باب حكم الصلاة : فصــل: في قاعدة ما ترك من واجب وفعل من محرم قبل الإسلام والتوبة
 
/وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ‏:‏
فصــل
في قاعدة ما ترك من واجب وفعل من محرم قبل الإسلام والتوبة
قاعدة ما تركه الكافر الأصلي من واجب ـ كالصلاة والزكاة والصيام ـ فإنه لا يجب عليه قضاؤه بعد الإسلام بالإجماع؛ لأنه لم يعتقد وجوبه، سواء كانت الرسالة قد بلغته أو لم تكن بلغته، وسواء كان كفره جحودًا، أو عنادًا، أو جهلاً‏.‏
ولا فرق في هذا بين الذمي والحربي، بخلاف ما على الذمي من الحقوق التي أوجبت الذمة أداءها ـ كقضاء الدين، ورد الأمانات والغصوب ـ فإن هذه لا تسقط بالإسلام؛ لالتزامه وجوبها قبل الإسلام‏.‏
وأمـا الحـربي المحض، فلـم يلتزم وجـوب شيء للمسلمـين، لا مـن العبادات ولا مـن الحقوق، فليس عليه قضاء شيء لا من حقوق الله ، ولا من حقوق المسلمين، وإن كان يعاقب على تركها لو لم يسلم، فإن الإسلام يهدم ما كان قبله‏.‏
/وكذلك ما فعله الكافر من المحرمات في دين الإسلام التي يستحلها في دينه ـ كالعقود والقبوض الفاسدة، كعقد الربا، والميسر، وبيع الخمر والخنزير، والنكاح بلا ولي ولا شهود، وقبض مال المسلمين بالقهر، والاستيلاء، ونحو ذلك ـ فإن ذلك المحرم يسقط حكمه بالإسلام، ويبقي في حقه بمنزلة ما لم يحرم، فإن الإسلام يغفر له به تحريم ذلك العقد والقبض، فيصير الفعل في حقه عفوًا بمنزلة من عقد عقدًا أو قبض قبضًا غير محرم، فيجري في حقه مجري الصحيح في حق المسلمين؛ ولهذا ما تقابضوا فيه من العقود الفاسدة أقروا على ملكه إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا‏.‏
وكذلك عقود النكاح التي انقضي سبب فسادها قبل الحكم، والإسلام، بخلاف ما لم يتقابضوه، فإنه لا يجوز لهم بعد الإسلام أن يقبضوا قبضًا محرمًا، كما لا يعقدون عقدًا محرمًا، وهذا مقرر في موضعه‏.‏ لقوله تعالي‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏278‏]‏، فأمرهم بترك ما بقي في الذمم من الربا، ولم يأمرهم برد المقبوض‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أسلم على شيء فهو له‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏وأيما قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وأيما قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام‏)‏، وأقر أهل الجاهلية على مناكحهم التي كانت في الجاهلية، مع أن كثيرًا منها كان غير مباح في الإسلام‏.‏
/وهذا كالمتفق عليه بين الأئمة المشهورين‏.‏ لكن ثَم خلاف شاذ في بعض صوره‏.‏
وأما ما استولي عليه أهل الحرب من أموال المسلمين ثم أسلموا، فإنه لهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفاق السلف، وجماهير الأئمة، وهو منصوص أحمد، وظاهر مذهبه‏.‏
وأما التحاكم إلينا في مثل هذه الصورة، فإنها تكون إذا كانوا ذوي عهد بأمان أو ذمة أو صلح فنقرهم عليه في هذه الصورة ـ أيضًا ـ فهذا في الحقوق التي وجبت له باعتقاده في كفره، وإن كان سببها محرمًا في دين الإسلام‏.‏
وأما العقوبات، فإنه لا يعاقب على ما فعله قبل الإسلام من محرم، سواء كان يعتقد تحريمه أو لم يعتقده، فلا يعاقب على قتل نفس، ولا ربًا، ولا سرقة، ولا غير ذلك‏.‏ سواء فعل ذلك بالمسلمين، أو بأهل دينه‏.‏ فإنه إن كان بالمسلمين، فهو يعتقد إباحة ذلك منهم، وأما أهل دينه، فهم مباحون في دين الإسلام، وإن اعتقد هو الحظر؛ ولهذا نقول‏:‏ إن ما سباه وغنمه الكفار بعضهم من نفوس بعض وأموالهم، فإنهم لا يعاقبون عليها بعد الإسلام، وإن اعتقدوا التحريم‏.‏ فمتي كان مباحًا في دينه أو في دين الإسلام زالت العقوبة‏.‏
/لكن إن كان محرمًا في الدينين ـ مثل أن يكون بينه وبين قوم عهد ـ فإن كان عهده مع المسلمين، فهذا هو المستأمن والذمي والمصالح، فهؤلاء يضمنون ما أتلفوه للمسلمين من النفوس والأموال، ويعاقبون على ما تعدوا به على المسلمين، ويعاقبون على الزنا، وفي شرب الخمر خلاف معروف‏.‏ وأما إن كان عهدهم مع غير المسلمين مثل قضية المغيرة بن شعبة‏.‏