باب حكم الصلاة : فَصْـل: عدم عقاب المتأول في الآخرة لا يمنع قتاله وجلده
 
فَصْـل
وهذا الذي ذكرته فيما تركه المسلم من واجب، أو فعله من محرم بتأويل اجتهاد أو تقليد، واضح عندي، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول‏.‏
وهذا لا يمنع أن أقاتل الباغي المتأول، وأجلد الشارب المتأول، ونحو ذلك‏.‏ فإن التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا مطلقًا؛ إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء، كما لا يرفع عقوبة الكافر، وإنما الكلام في قضاء ما تركه من واجب، وفي العقود والقبوض التي فعلها بتأويل،/ وفي ضمان النفوس والأموال التي استحلها بتأويل، كما استحل أسامة قتل الذي قتله بعد ما قال‏:‏ لا إله إلا الله ، وكذلك لا يعاقب على ما مضي إذا لم يكن فيه زجر عن المستقبل‏.‏
وأما العقوبة للدفع عن المستقبل، كقتال الباغي، وجلد الشارب، فهذه مقصودها أداء الواجب في المستقبل، ودفع المحرم في المستقبل، وهذا لا كلام فيه، فإنه يشرع في مثل هذا عقوبة المتأول في بعض المواضع‏.‏
وإنما الغرض بما يتعلق بالماضي من قضاء واجبه، وترك الحقوق التي حصلت فيه، والعقوبة على ما فعله، فهذه الأمور المتعلقة به من الحدود والحقوق، والعبادات هي التي يجب أن يكون المسلم المتأول أحسن حالاً فيها من الكافر المتأول وأولى‏.‏
فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها، والمسلم المتأول معذور، ومعه الإسلام الذي تغفر معه الخطايا، والتوبة التي تَجُبّ ما كان قبلها، وفي إيجاب القضاء وإسقاط الحقوق وإقامة العقوبات تنفير عن التوبة، والرجوع إلي الحق أكثر من التنفير بذلك للكافر، فإن أعلام الإسلام ودلالته أعظم من أعلام هذه الفروع، وأدلتها، والداعي إلي الإسلام من سلطان الحجة والقدرة قد يكون أعظم من الداعي إلي هذه الفروع‏.‏
/وهذا لا شبهة فيه عندي، وإن كان فه نزاع؛ فإني أعلم أنه لولا مضي السُّنة بمثل ذلك في حق الكفار، لكان مقتضى هذا القياس عند أصحابه طرده في حق الكافر ـ أيضًا‏.‏ وقد راعى أصحاب أبي حنيفة ذلك في النكاح، فلم يمنعوا منه إلا ما له مساغ في الإسلام، والنزاع لا يهتك حرمة العلم والفقه بعد ظهور حجته‏.‏