باب حكم الصلاة : سئل:عن قوم منتسبين إلي المشائخ يتوبونهم عن قطع الطريق وقتل النفس وألزموهم بالصلاة ؟
 
وَسُئِـلَ عن قوم منتسبين إلي المشائخ يتوبونهم عن قطع الطريق، وقتل النفس، والسرقة، وألزموهم بالصلاة لكونهم يصلون صلاة عادة البادية، فهل تجب إقامة حدود الصلاة أم لا‏؟‏
فأجـاب‏:‏
أما الصلاة فقد قال الله تعالي‏:‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ‏.‏ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ‏.‏ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ ‏[‏الماعون‏:‏ 4 ـ 7‏]‏، وقال تعالي‏:‏ ‏{‏فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 59‏]‏، فقد ذم الله ـ تعالي ـ في كتابه الذين يصلون إذا سهوا عن الصلاة، وذلك على وجهين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن يؤخرها عن وقتها‏.‏
الثاني‏:‏ ألا يكمل واجباتها‏:‏ من الطهارة، والطمأنينة، والخشوع، وغير ذلك‏.‏ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال‏:‏ ‏(‏تلك صـلاة المنافـق، تلك صـلاة المنافـق، تلك صـلاة المنافق ـ ثلاث مرار ـ يترقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلاً‏)‏‏.‏
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المنافقين التأخير، وقلة ذكر اسم الله ـ سبحانه ـ وقد قال تعالي‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 142‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا‏.‏ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 145، 146‏]‏‏.‏
وأما قوله ـ سبحانه وتعالي ـ‏:‏‏{‏فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا‏}‏‏[‏مريم‏:‏59‏]‏، فقد قال بعض السلف‏:‏ إضاعتها‏:‏ تأخيرها عن وقتها، وإضاعة حقـوقها، قـالوا‏:‏ وكانوا يصلـون، ولو تركوها لكانوا كفارًا؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر‏)‏، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن العبد إذا كمل الصلاة، صعدت ولها برهان كبرهان الشمس‏.‏ وتقول‏:‏ حفظك الله كما حفظتني، وإن لم يكملها، فإنها تلف كما يلف الثوب، ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول ضيعك الله كما ضيعتني‏)‏‏.‏
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها‏)‏ حتى قال‏:‏ ‏(‏إلا عشرها‏)‏، وقال ابن عباس‏:‏ ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ‏}‏ الذي يشتغل به عن إقامة الصلاة كما أمر الله تعالي رسوله صلى الله عليه وسلم بنوع من أنواع الشهوات‏:‏ كالرقص، والغناء وأمثال ذلك‏.‏
وفي الصحيحين‏:‏ أن رجلاً دخل المسجد فصلي ركعتين، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال‏:‏ ‏(‏وعليك السلام، ارجع/فصل فإنك لم تصل‏)‏ فرجع فصلي ثم أتاه فسلم عليه، فقال‏:‏ ‏(‏وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل‏)‏ مرتين أو ثلاثًا‏.‏ فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما أحسن غيرها، فعلمني ما يجزئني في الصلاة، فقال‏:‏ ‏(‏إذا قمت إلي الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمأن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها‏)‏‏.‏
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تقبل صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود‏)‏، ‏(‏ونهي عن نقر كنقر الغراب‏)‏‏.‏ ورأى حذيفة رجلاً يصلي لا يتم الركوع والسجود فقال‏:‏ لو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم، أو قال‏:‏ لو مات هذا‏.‏ رواه ابن خزيمة في صحيحه‏.‏