باب حكم الصلاة : سئل: عمن يؤمر بالصلاة فيمتنع وماذا يجب عليه؟
 
/ وسئل عمن يؤمر بالصلاة فيمتنع، وماذا يجب عليه‏؟‏ ومن اعتذر بقوله‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله‏)‏ هل يكون له عذر في أنه لا يعاقب على ترك الصلاة، أم لا‏؟‏ وماذا يجب على الأمراء وولاة الأمور في حق من تحت أيديهم إذا تركوا الصلاة‏؟‏ وهل قيامهم في ذلك من أعظم الجهاد وأكبر أبواب البر‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله، من يمتنع عن الصلاة المفروضة، فإنه يستحق العقوبة الغليظة باتفاق أئمة المسلمين، بل يجب عند جمهور الأمة ـ كمالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم ـ أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏
بل تارك الصلاة شر من السارق والزاني، وشارب الخمر وآكل الحشيشة‏.‏
ويجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏‏.‏
/ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة، فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزر الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصي الله ورسوله، وكذلك من عنده ممإلىك كبار، أو غلمان الخيل والجمال والبُزَاة، أو فرَّاشون أو بابية يغسلون الأبدان والثياب، أو خدم، أو زوجة، أو سرية، أو إماء، فعليه أن يأمر جميع هؤلاء بالصلاة، فإن لم يفعل، كان عاصيًا لله ورسوله، ولم يستحق هذا أن يكون من جند المسلمين، بل من جند التتار‏.‏ فإن التتار يتكلمون بالشهادتين، ومع هذا فقتالهم واجب بإجماع المسلمين‏.‏
وكذلك كل طائفة ممتنعة عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة، أو الباطنة المعلومة، فإنه يجب قتالها، فلو قالوا‏:‏ نشهد ولا نصلى قوتلوا حتى يصلوا، ولو قالوا‏:‏ نصلى ولا نزكي، قوتلوا حتى يزكوا، ولو قالوا‏:‏ نزكي ولا نصوم ولا نحج، قوتلوا حتى يصوموا رمضان، ويحجوا البيت‏.‏ ولو قالوا‏:‏ نفعل هذا لكن لا ندع الربا، ولا شرب الخمر، ولا الفواحش، ولا نجاهد في سبيل الله، ولا نضرب الجزية على اليهود والنصاري، ونحو ذلك‏.‏ قوتلوا حتى يفعلوا ذلك‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏39‏]‏‏.‏
وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278، 279‏]‏ / والربا آخر ما حرم الله، وكان أهل الطائف قد أسلموا وصلوا وجاهدوا، فبين الله أنهم إذا لم ينتهوا عن الربا، كانوا ممن حارب الله ورسوله‏.‏
وفي الصحيحين أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر‏:‏ كيف تقاتل الناس‏؟‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ ألم يقل‏:‏ ‏(‏إلا بحقها‏؟‏‏)‏ والله، لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه‏.‏ قال عمر‏:‏ فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق‏.‏
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال‏:‏ ‏(‏يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة‏)‏‏.‏
فإذا كان الذين يقومون الليل، ويصومون النهار، ويقرؤون/ القرآن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم فارقوا السنة والجماعة، فكيف بالطوائف الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام، وإنما يعملون بباساق ملوكهم، وأمثال ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏