باب الأذان و الإقامة : في صيغة الأذان
 
وقال شيخ الإسلام‏:‏
وأما الأذان الذي هو شعار الإسلام، فقد استعمل فقهاء الحديث ـ كأحمد ـ فيه جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استحسن أذان بلال وإقامته، وأذان أبي مَحْذُورة، وإقامته‏.‏
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان مرجعًا وفى الإقامة مشفوعة‏.‏
وثبت في الصحيحين‏:‏ أن بلالاً أمر أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة‏.‏ وفى السنن أنه لم يكن يرجع، فرجح أحمد أذان بلال؛ لأنه الذي كان يفعل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا، قبل/ أذان أبي مَحْذُورة، وبعده إلى أن مات‏.‏ واستحسن أذان أبي مَحْذُورة ولم يكرهه‏.‏
وهذا أصل مستمر له في جميع صفات العبادات أقوالها وأفعالها، يستحسن كلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة لشيء منه مع علمه بذلك، واختياره للبعض، أو تسويته بين الجميع‏.‏ كما يجوز القراءة بكل قراءة ثابتة، وإن كان قد اختار بعض القراءة‏:‏ مثل أنواع الأذان والإقامة، وأنواع التشهدات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن مسعود، وأبى موسى، وابن عباس، وغيرهم‏.‏
وأحبها إليه تشهد ابن مسعود؛ لأسباب متعددة‏:‏ منها كونه أصحها، وأشهرها‏.‏ ومنها‏:‏ كونه محفوظ الألفاظ لم يختلف في حرف منه‏.‏ ومنها‏:‏ كون غالبها يوافق ألفاظه، فيقتضي أنه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به غالبًا‏.‏
وكذلك أنواع الاستفتاح، والاستعاذة المأثورة، وأنه اختار بعضها‏.‏
وكذلك موضع رفع اليدين في الصلاة، ومحل وضعها بعد الرفع، وصفات التحميد المشروع بعد التسميع، ومنها صفات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختار بعضها‏.‏
/ومنها‏:‏ أنواع صلاة الخوف، ويجوز كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة‏.‏
ومنها‏:‏ أنواع تكبيرات العيد، يجوز كل مأثور، وإن استحب بعضه‏.‏
ومنها‏:‏ التكبير على الجنائز يجوز ـ على المشهور ـ التربيع، والتخميس، والتسبيع، وإن اختار التربيع‏.‏ وأما بقية الفقهاء فيختارون بعض ذلك، ويكرهون بعضه‏.‏
فمنهم من يكره ‏[‏الترجيع‏]‏ في الأذان‏:‏ كأبي حنيفة، ومنهم من يكره تركه كالشافعي‏.‏ ومنهم من يكره شفع الإقامة كالشافعي‏.‏ ومنهم من يكره إفرادها، حتى قد آل الأمر بالاتباع إلى نوع جاهلية، فصاروا يقتتلون في بعض بلاد المشرق على ذلك، حمية جاهلية، مع أن الجميع حسن قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بإفراد الإقامة وأمر أبا مَحْذُورة بشفعها‏.‏ وإن الضلالة ـ حق الضلالة ـ أن ينهى عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏