سئل : عمن يجهر بالنية وقوله أنها بدعة حسنة؟
 
وَسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل قيل له‏:‏ لا يجوز الجهر بالنية في الصلاة ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ صحيح أنه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أمر به، لكن ما نهي عنه، ولا تبطل صلاة من جهر بها‏.‏ ثم إنه قال‏:‏ لنا بدعة حسنة، وبدعة سيئة، واحتج بالتراويح/أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما جمعها، ولا نهي عنها‏.‏ وأن عمر الذي جمع الناس عليها، وأمر بها‏.‏ فهل هو كما قال‏؟‏ وهل تسمي سنن الخلفاء الراشدين بدعة‏؟‏ وهل يقاس على سننهم ما سنه غيرهم فهل لها أصل في ما يقوله، ويفعله ‏؟‏ وقوله‏:‏ ولا تبطل صلاة من جهر بالنية في الصلاة، وغيرها‏.‏ فهل يأثم المنكر عليه أم لا ‏؟‏
فأجاب ‏:‏
الحمد للّه، الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة، ليس من البدع الحسنة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، لم يقل أحد منهم‏:‏ إن الجهر بالنية مستحب، ولا هو بدعة حسنة، فمن قال ذلك، فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة الأربعة، وغيرهم‏.‏ وقائل هذا يستتاب، فإن تاب، وإلا عوقب بما يستحقه‏.‏
وإنما تنازع الناس في نفس التلفظ بها سرًا‏.‏ هل يستحب أم لا ‏؟‏ على قولين‏.‏ والصواب أنه لا يستحب التلفظ بها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يتلفظون بها لا سرًا ولا جهرًا، والعبادات التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ليس لأحد تغييرها، ولا إحداث بدعة في ها‏.‏
وليس لأحد أن يقول‏:‏ إن مثل هذا من البدع الحسنة، مثل ما أحدث بعض الناس الأذان في العيدين، والذي أحدثه مروان بن/ الحكم، فأنكر الصحابة ـ والتابعون لهم بإحسان ـ ذلك‏.‏ هذا، وإن كان الأذان ذكر اللّه؛ لأنه ليس من السنة‏.‏ وكذلك لما أحدث الناس اجتماعا راتبًا غير الشرعي‏:‏ مثل الاجتماع على صلاة معينة، أول رجب أو أول ليلة جمعة فيه ، وليلة النصف من شعبان، فأنكر ذلك علماء المسلمين‏.‏
ولو أحدث ناس صلاة سادسة يجتمعون عليها غير الصلوات الخمس، لأنكر ذلك عليهم المسلمون، وأخذوا على أيديهم‏.‏
وأما ‏[‏قيام رمضان‏]‏، فإن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سنه لأمته، وصلى بهم جماعة عدة ليال، وكانوا على عهده يصلون جماعة، وفرادي، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم‏.‏ فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر ـ رضي اللّه عنه ـ جمعهم على إمـام واحد، وهو أبي بن كعب، الذي جمع الناس عليها بأمر عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ‏.‏
وعمر ـ رضي اللّه عنه ـ هو من الخلفاء الراشدين ـ حيث يقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‏.‏ عضوا عليها بالنواجذ‏)‏ يعني الأضراس؛ لأنها أعظم في القوة‏.‏
وهذا الذي فعله هو سنة، لكنه قال‏:‏ نعمت البدعة هذه، فإنها/بدعة في اللغة؛ لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يعني من الاجتماع على مثل هذه، وهي سنة من الشريعة‏.‏
وهكذا إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وهي الحجاز واليمن واليمامة، وكل البلاد الذي لم يبلغه ملك فارس والروم من جزيرة العرب، ومصر الأمصار‏:‏ كالكوفة والبصرة، وجمع القرآن في مصحف واحد، وفرض الديوان، والأذان الأول يوم الجمعة، واستنابة من يصلي بالناس يوم العيد خارج المصر، ونحو ذلك مما سنه الخلفاء الراشدون؛ لأنهم سنوه بأمر اللّه ورسوله، فهو سنة‏.‏ وإن كان في اللغة يسمي بدعة‏.‏
وأما الجهر بالنية، وتكريرها، فبدعة سيئة ليست مستحبة باتفاق المسلمين؛ لأنها لم يكن يفعلها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون‏.‏