وَسُئِلَ عن رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم‏:‏ هذا الذكر بدعة وجهركم فى الذكر بدعة
 
وَسُئِلَ عن رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم‏:‏ هذا الذكر بدعة وجهركم فى الذكر بدعة، وهم يفتتحون بالقرآن ويختتمون، ثم يدعون للمسلمين الأحياء والأموات، ويجمعون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة، ويصلون على النبى صلى الله عليه وسلم، والمنكر يعمل السماع مرات بالتصفيق، ويبطل الذكر فى وقت عمل السماع‏؟‏
فأجاب‏:‏
الاجتماع لذكر الله، واستماع كتابه، والدعاء عمل صالح وهو من أفضل القربات والعبادات فى الأوقات‏.‏ ففى الصحيح عن/ النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن للَّه ملائكة سياحين فى الأرض، فإذا مروا بقوم يذكرون الله، تنادوا هلموا إلى حاجتكم‏)‏ وذكر الحديث، وفيه ‏(‏وجدناهم يسبحونك ويحمدونك‏)‏‏.‏ لكن ينبغى أن يكون هذا أحياناً فى بعض الأوقات، والأمكنة، فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها إلا ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم المداومة عليه فى الجماعات‏:‏ من الصلوات الخمس فى الجماعات، ومن الجمعات، والأعياد، ونحو ذلك‏.‏
وأما محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة، أو القراءة، أو الذكر، أو الدعاء، طرفى النهار وزلفاً من الليل، وغير ذلك، فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديما وحديثاً، فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات، فعل كذلك‏.‏ وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد، عمل كذلك، كما كان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ يجتمعون أحياناً، يأمرون أحدهم يقرأ، والباقون يستمعون‏.‏ وكان عمر بن الخطاب يقول‏:‏ يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون، وكان من الصحابة من يقول‏:‏ اجلسوا بنا نؤمن ساعة، وصلى النبى صلى الله عليه وسلم بأصحابه التطوع فى جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة، وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم يستمع‏.‏
/وما يحصل عند السماع والذكر المشروع من وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجسوم، فهذا أفضل الأحوال التى نطق بها الكتاب والسنة‏.‏
وأما الاضطراب الشديد، والغشى والموت والصيحات، فهذا إن كان صاحبه مغلوبا عليه، لم يُلَم عليه، كما قد كان يكون فى التابعين ومن بعدهم‏.‏ فإن منشأه قوة الوارد على القلب مع ضعف القلب‏.‏ والقوة، والتمكن أفضل، كما هو حال النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة، وأما السكون، قسوة وجفاء، فهذا مذموم لا خير فيه‏.‏
وأما ما ذكر من السماع، فالمشروع الذى تصلح به القلوب، ويكون وسيلتها إلى ربها بصلة ما بينه وبينها، هو سماع كتاب الله الذى هو سماع خيار هذه الأمة، لاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏زَيِّنوا القرآن بأصواتكم‏)‏ وهو السماع الممدوح فى الكتاب والسنة‏.‏ لكن لما نسى بعض الأمة حظاً من هذا السماع الذى ذكروا به، ألقى بينهم العداوة والبغضاء، فأحدث قوم سماع القصائد والتصفيق والغناء مضاهاة لما ذمه الله من المكاء والتصدية، والمشابهة لما ابتدعه النصارى‏.‏ وقابلهم قوم قست قلوبهم عن ذكر الله، وما نزل من الحق، وقست قلوبهم فهى كالحجارة أو أشد قسوة مضاهاة لما عابه الله على اليهود‏.‏ والدين الوسط هو ما عليه خيار هذه الأمة قديماً وحديثاً‏.‏ والله أعلم‏.‏