فصل: في التكبير والتشهد و التسليم في سجود السهو
 
فصل
فأما التكبير في سجود السهو، ففي الصحيحين في حديث ابن بُحَينة‏:‏ فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس، هذا في السجود قبل السلام، وأما بعده، فحديث ذي اليدين الذي في الصحيحين عن أبي هريرة قال‏:‏
فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر وسجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر فرفع، والتكبير قول عامة أهل العلم، ولكن تنازعوا في التشهد والتسليم على ثلاثة أقوال‏:‏
فروي عن أنس والحسن وعطاء‏:‏ أنه ليس فيهما تشهد ولا تسليم، ومن قال هذا قاله تشبيها بسجـود التلاوة؛ لأنه سجـود مفـرد، فلم يكن فيـه تشهـد ولا تسليم، كسجـود التلاوة، فإنه لم ينقل أحد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا، وكذلك قال أحمد وغيره‏.‏ وقال أحمد‏:‏ أما التسليم فلا أدري ما هو، وجمهور السلف على أنه لا تسليم فيه، ومن أثبت التسليم فيه أثبته قياسًا، وهو قياس ضعيف؛ لأنه / جعله صلاة، وأضعف منه من أثبت فيه التشهد قياسًا‏.‏
والقول الثاني‏:‏ أن فيهما تشهد يتشهد ويسلم إذا سجدهما بعد السلام، وهذا مروي عن ابن عباس والنخعي والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي‏.‏
والثالث‏:‏ فيهما تسليم بغير تشهد، وهو قول ابن سيرين، قال ابن المنذر‏:‏ التسليم فيهما ثابت من غير وجه، وفي ثبوت التشهد نظر، وعن عطاء إن شاء تشهد وسلم، وإن شاء لم يفعل‏.‏
قال أبو محمد‏:‏ ويحتمل ألا يجب التشهد؛ لأن ظاهر الحديثين الأولىن أنه سلم من غير تشهد، وهي أصح من هذه الرواية؛ ولأنه سجود مفرد فلم يجب له تشهد، كسجود التلاوة‏.‏
قلت‏:‏ أما التسليم فيهما، فهو ثابت في الأحاديث الصحيحة، حديث ابن مسعود، وحديث عمران‏.‏ ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود كما تقدم‏:‏ قال‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏قال إبراهيم‏:‏ زاد أو نقص، فلما سلم قيل له‏:‏ يا رسول صلى الله عليه وسلم أحدث في الصلاة شيء‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وما ذاك‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ صليت كذا وكذا، قال‏:‏ فثني رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه‏.‏‏.‏‏.‏الحديث‏.‏
/وفي الصحيحين ـ أيضا ـ من حديث عمران بن حصين قال‏:‏
فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم‏.‏ وكذلك ذكر محمد بن سيرين لما روي حديث أبي هريرة‏.‏ قال‏:‏ وثبت أن عمران بن حصين قال‏:‏ ثم سلم، وابن سيرين ما كان يروي إلا عن ثقة، والفرق بين هاتين وبين سجود التلاوة‏:‏ أن هاتين صلاة، وأنهما سجدتان وقد أقيمتا مقام ركعة، وجعلتا جابرتين لنقص الصلاة، فجعل لهما تحليل كما لهما تحريم‏.‏ وهذه هي الصلاة‏.‏ كما قال‏:‏ ‏(‏مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم‏)‏
وأما سجود التلاوة، فهو خضوع، وكان ابن عمر وغيره يسجدون على غير وضوء، وعن عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة قال‏:‏ تومئ برأسها، وكذلك قال سعيد بن المسيب، قال‏:‏ ويقول‏:‏ اللهم لك سجدت‏.‏ وقال الشعبي‏:‏ من سمع السجدة وهو على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه، وقد سجد رسول صلى الله عليه وسلم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، ففعله الكافر والمسلم، وسجد سحرة فرعون‏.‏ وعلى هذا، فليس بداخل في مسمى الصلاة‏.‏
ولكن سجدتا السجود يشبهان صلاة الجنازة، فإنها قيام مجرد، لكن هي صلاة فيها تحريم وتحليل؛ ولهذا كان الصحابة يتطهرون لها،/ ورخص ابن عباس في التيمم لها إذا خشي الفوات، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدي الروايتين، وهي كسجدتي السهو يشترط لها استقبال الكعبة والاصطفاف، كما في الصلاة، والمؤتم فيه تبع للإمام، لا يكبر قبله، ولا يسلم قبله،كما في الصلاة، بخلاف سجود التلاوة فإنه عند كثير من أهل العلم يسجد وإن لم يسجد القارئ‏.‏
والحديث الذي يروى‏:‏ إنك إمامنا فلو سجدت لسجدنا، من مراسيل عطاء، وهو من أضعف المراسيل، قاله أحمد وغيره‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه لا يسجد إلا إذا سجد، لم يجعله مؤتمًا به من كل وجه، فلا يشترط أن يكون المستمعون يسجدون جميعًا صفًا، كما يسجدون خلف الإمام للسهو، ولا يشترط أن يكون الإمام إمامه كما في الصلاة، وللمأموم أن يرفع قبل إمامه، فعلم أنه ليس بمؤتم به في صلاة، وإن قيل‏:‏ إنه مؤتم به في غير صلاة، كائتمام المؤمن على الدعاء بالداعي، وائتمام المستمع بالقارئ‏.‏