سئل: عن قوله ‏:‏ ‏(‏لا يحل لرجل يؤم قوما فيخص نفسه)؟
 
وسئل ـ رَحمه الله ـ عن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يحل لرجل يؤم قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم‏)‏‏.‏ فهل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله ـ عز وجل ـ أن يشرك المأمومين‏؟‏ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم‏؟‏ /فكيف الجمع بين هذين‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمـد للَّه رب العالمين‏.‏ قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة‏.‏ ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أقول‏:‏ اللهم، باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم، نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم، اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد‏)‏، فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة، وكان إماماً‏.‏ وكذلك حديث على في الاستفتاح الذي أوله‏:‏ ‏(‏وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض‏)‏، فيه‏:‏ ‏(‏فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت‏)‏‏.‏
وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله‏:‏ ‏(‏لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت‏)‏، ‏(‏اللهم، طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، اللهم، نقني من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس‏)‏‏.‏ وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله، ومن أمره، لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد‏.‏ كقوله‏:‏ ‏(‏اللهم، إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال‏)‏‏.‏ وكذا دعاؤه بين / السجدتين، وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما، أحدهما بحذيفة، والآخر
بابن عباس‏.‏ وحديث حذيفة‏:‏ ‏(‏رب، اغفر لي، رب، اغفر لي‏)‏ ، وحديث ابن عباس فيه‏:‏ ‏(‏اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني‏)‏، ونحو هذا‏.‏ فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد‏.‏ وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك‏.‏ حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية‏.‏
وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور ـ إن صح ـ فالمراد به الدعاء الذي يُؤمِّن عليه المأموم ـ كدعاء القنوت ـ فإن المأموم إذا أَمَّن كان داعياً، قال الله تعالى لموسى وهرون‏:‏ ‏{‏قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏89‏]‏، وكان أحدهما يدعو، والآخر يؤمن‏.‏ وإذا كان المأموم مؤمناً على دعاء الإمام، فيدعو بصيغة الجمع، كما في دعاء الفاتحة في قوله‏:‏ ‏{‏اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6‏]‏، فإن المأموم إنما أمن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعاً، فإن لم يفعل، فقد خان الإمام المأموم‏.‏
فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه ـ كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك ـ فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه‏.‏ كما يسبح المأموم في الركوع والسجود، إذا سبح الإمام في / الركوع والسجود، وكما يتشهد إذا تشهد، ويكبر إذا كبر، فإن لم يفعل المأموم ذلك فهو المفرط‏.‏
وهذا الحديث لو كان صحيحاً صريحاً معارضــاً للأحاديــث المستفيضــة المتواترة، ولعمل الأمة، والأئمة، لم يلتفت إليه، فكيف وليس من الصحيح، ولكن قد قيل‏:‏ إنه حسن، ولو كان فيه دلالة لكان عاماً، وتلك خاصة، والخاص يقضــي على العــام‏.‏ ثم لفظه ‏(‏فيخص نفسه بدعــوة دونــهم‏)‏ ، يراد بمثــل هذا إذا لم يحصــل لهم دعاء، وهذا لا يكون مع تأمينهم‏.‏ وأما مع كونهم مؤمِّنـين على الدعــاء كلما دعــا، فيحصــل لهم كما حصل له بفعلهم، ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع‏:‏ ‏(‏اللهم، إنا نستعينك، ونستهديك‏)‏ إلى آخره‏.‏ ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع، ويتبع السنة على وجهها‏.‏ والله أعلم‏.‏