سئل: عن مسائل يكثر وقوعها، ويحصل الابتلاء بها؟
 
/ وسئل شَيخ الإسْلام ـ رحمه اللّه ـ عن مسائل يكثر وقوعها، ويحصل الابتلاء بها، والضيق والحرج على رأي إمام بعينه‏.‏ منها‏:‏ ‏[‏مسألة الجماعة للصلاة‏]‏ هل هي واجبة أم سنة‏؟‏ وإذا قلنا‏:‏ واجبة، هل تصح الصلاة بدونها مع القدرة عليها ‏؟‏
فأجاب‏:‏
وأما الجماعة فقد قيل‏:‏ إنها سنة‏.‏ وقيل‏:‏ إنها واجبة على الكفاية ـ وقيل‏:‏ إنها واجبة على الأعيان‏.‏ وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، فإن اللّه أمر بها في حال الخوف، ففي حال الأمن أولي، وآكد‏.‏
وأيضاً، فقد قال تعالى‏{‏وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 43‏]‏، وهذا أمر بها‏.‏
وأيضاً، فقد ثبت في الصحيح أن ابن أم مكتوم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخص له أن يصلي في بيته، فقال‏:‏ ‏(‏هل تسمع النداء‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فأجب‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما أجد لك رخصة‏)‏‏.‏ وابن أم مكتوم كان رجلا صالحاً، وفيه نزل قوله تعالى‏:‏ /‏{‏عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى‏}‏ ‏[‏عبس‏:‏1،2‏]‏، وكان من المهاجرين، ولم يكن من المهاجرين من يتخلف عنها إلا منافق، فعلم أنه لا رخصة لمؤمن في تركها‏.‏
وأيضاً، فقد ثبت عنه في الصحاح أنه قال‏:‏ ‏(‏لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏لولا ما في البيوت من النساء والذرية‏)‏‏.‏ فبين أنه إنما يمنعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة من في البيوت من النساء والأطفال، فإن تعذيب أولئك لا يجوز؛ لأنه لا جماعة عليهم‏.‏
ومن قال‏:‏ إن هذا كان في الجمعة، أو كان لأجل نفاقهم، فقوله ضعيف‏.‏ فإن المنافقين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقتلهم لأجل النفاق، بل لا يعاقبهم إلا بذنب ظاهر‏.‏ فلولا أن التخلف عن الجماعة ذنب يستحق صاحبه العقاب، لما عاقبهم‏.‏ والحديث قد بين فيه التخلف عن صلاة العشاء والفجر‏.‏ وقد تقدم حديث ابن أم مكتوم، وأنه لم يرخص له في التخلف عن الجماعة‏.‏
وأيضاً، فإن الجماعة يترك لها أكثر واجبات الصلاة في صلاة الخوف وغيرها، فلولا وجوبها لم يؤمر بترك بعض الواجبات لها؛ لأنه لا يؤمر بترك الواجبات لما ليس بواجب‏.