فصل: إذا ترك الجماعة من غير عذر
 
فصل
وإذا ترك الجماعة من غير عذر، ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره‏:‏
أحدهما‏:‏ تصح صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة‏)‏‏.‏
والثاني‏:‏ لا تصح، لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له‏)‏‏.‏ ولقوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد‏)‏، وقد قواه عبد الحق الإشبيلي‏.‏
وأيضًا، فإذا كانت واجبة، فمن ترك واجبًا في الصلاة، لم تصح صلاته‏.‏
وحديث التفضيل محمول على حال العذر‏.‏ كما في قوله‏:‏ ‏(‏صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة النائم على النصف من صلاة / القاعد‏)‏‏.‏ وهذا عام في الفرض والنفل‏.‏
والإنسان ليس له أن يصلي الفرض قاعدًا أو نائمًا، إلا في حال العذر، وليس له أن يتطوع نائمًا عند جماهير السلف، والخلف، إلا وجهًا في مذهب الشافعي وأحمد‏.‏
ومعلوم أن التطـوع بالصـلاة مضطجعًا بـدعة، لم يفعلها أحـد مـن السلف، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم‏)‏، يدل على أنه يكتب لـه لأجـل نيتـه، وإن كان لا يعمل عادته قبل المرض والسفر فهذا يقتضي أن مـن ترك الجماعة لمرض أو سفر وكان يعتادها، كتب له أجر الجماعة‏.‏ وإن لم يكـن يعتادها، لم يكـن يكتب لـه‏.‏ وإن كـان في الحالين إن ما له بنفس الفعل صلاة منفـرد‏.‏ وكـذلك المريض إذا صلى قاعـدًا أو مضطجعًا‏.‏ وعلى هذا القول، فإذا صلى الرجـل وحده وأمكنه أن يصلي بعد ذلك في جماعة فعل ذلك، وإن لم يمكنه فعل الجماعـة، استغفـر الله، كمن فاتته الجمعة وصلي ظهرًا، وإن قصد الرجل الجماعة ووجـدهم قـد صلـوا كان لـه أجـر من صلى في الجماعـة، كما وردت بـه السـنة عـن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وإذا أدرك مع الإمام ركعة، فقد أدرك الجماعة، وإن أدرك أقل / من ركعة، فله بنيته أجر الجماعة، ولكن هل يكون مدركًا للجماعة أو يكون بمنزلة من صلى وحده‏؟‏ فيه قولان للعلماء في مذهب الشافعي وأحمد‏.‏
أحدهما‏:‏ أنه يكون كمن صلى في جماعة، كقول أبي حنيفة‏.‏
والثاني‏:‏ يكون كمن صلى منفردًا، كقول مالك، وهذا أصح، لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه قـال‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة‏)‏، ولهذا قال الشافعي وأحمد ومالك وجمهور العلماء‏:‏ إنه لا يكـون مدركًا للجمعـة إلا بـإدراك ركعة من الصلاة، ولكن أبو حنيفة ومن وافقه يقولون‏:‏ إنه يكون مدركًا لها إذا أدركهم في التشهد‏.‏
ومن فوائد النزاع في ذلك‏:‏ أن المسافر إذا صلى خلف المقيم أتم الصلاة إذا أدرك ركعة، فإن أدرك أقل من ركعة فعلى القولين المتقدمين‏.‏
والصحيح أنه لا يكون مدركًا للجمعة ولا للجماعة إلا بإدراك ركعة، وما دون ذلك لا يعتد له به، وإنما يفعله متابعة للإمام، ولو بعد السلام، كالمنفرد باتفاق الأئمة‏.‏