سئل: عن رجل أدرك آخر جماعة وبعد هذه الجماعة جماعة أخري؟
 
وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل أدرك آخر جماعة، وبعد هذه الجماعة جماعة أخري، فهل يستحب له متابعة هؤلاء في آخر الصلاة‏؟‏ أو ينتظر الجماعة الأخري‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما إذا أدرك أقل من ركعة، فهذا مبني على أنه هل يكون مدركًا للجماعة بأقل من ركعة، أم لابد من إدراك ركعة‏؟‏ فمذهب أبي حنيفة‏:‏ أنه يكون مدركًا، وطرد قياسه في ذلك حتى قال في الجمعة‏:‏ يكون مدركًا لها بإدراك القعدة فيتمها جمعة‏.‏ ومذهب مالك‏:‏ أنه لا يكون مدركًا إلا بإدراك ركعة، وطرد المسألة في ذلك حتى فيمن أدرك من آخر الوقت‏.‏ فإن المواضع التي تذكر فيها هذه المسألة أنواع‏:‏
أحدها‏:‏ الجمعة‏.‏
والثاني‏:‏ فضل الجماعة‏.‏
/والثالث‏:‏ إدراك المسافر من صلاة المقيم‏.‏
والرابع‏:‏ إدراك بعض الصلاة قبل خروج الوقت، كإدراك بعض الفجر قبل طلوع الشمس‏.‏
والخامس‏:‏ إدراك آخر الوقت، كالحائض تطهر، والمجنون يفيق، والكافر يسلم في آخر الوقت‏.‏
والسادس‏:‏ إدراك ذلك من أول الوقت عند من يقول إن الوجوب بذلك، فإن في هذا الأصل السادس نزاعًا‏.‏ وأما مذهب الشافعي وأحمد فقالا في الجمعة بقول مالك؛ لاتفاق الصحابة على ذلك، فإنهم قالوا فيمن أدرك من الجمعة ركعة‏:‏ يصلي إليها أخري، ومن أدركهم في التشهد صلى أربعاً‏.‏
وأما سائر المسائل، ففيها نزاع في مذهب الشافعي وأحمد، وهما قولان للشافعي، وروايتان عن أحمد، وكثير من أصحابهما يرجح قول أبي حنيفة‏.‏
والأظهر هو مذهب مالك، كما ذكره الخِرْقي في بعض الصور، وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصـلاة، فـقـد أدرك / الصـلاة‏)‏‏.‏ فهـذا نص عـام في جميع صور إدراك ركعة من الصـلاة، سـواء كان إدراك جماعة أو إدراك الوقت‏.‏ وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏مـن أدرك ركعـة مـن الفجر قبـل أن تطلع الشمس، فقـد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة مـن العصر قبـل أن تغـرب الشمس فقـد أدرك العصـر‏)‏‏.‏ وهذا نص في ركعة في الوقت‏.‏
وقد عارض هذا بعضهم بأن في بعض الطرق‏:‏ ‏(‏من أدرك سجدة‏)‏، وظنوا أن هذا يتناول ما إذا أدرك السجدة الأولى، وهذا باطل‏.‏ فإن المراد بالسجدة الركعة، كما في حديث ابن عمر‏:‏ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏ وفي اللفظ المشهور‏:‏ ركعتين‏.‏ وكما روي‏:‏ أنه كان يصلي بعد الوتر سجدتين، وهما ركعتان، كما جاء ذلك مفسراً في الحديث الصحيح‏.‏ ومن سجد بعد الوتر سجدتين مجردتين عملاً بهذا، فهو غالط باتفاق الأئمة‏.‏
وأيضاً، فإن الحكم عندهم ليس متعلقاً بإدراك سجدة من السجدتين، فعلم أنهم لم يقولوا بالحديث‏.‏ فعلى هذا، إذا كان المدْرَك أقل من ركعة وكان بعدها جماعة أخري فصلى معهم في جماعة صلاة تامة، فهذا أفضل‏.‏ فإن هذا يكون مصلياً في جماعة؛ بخلاف الأول، وإن كان المدرك ركعة أو كان أقل من ركعة، وقلنا‏:‏ إنه يكون به مدركاً للجماعة، فهنا قد تعارض إدراكه / لهذه الجماعة، وإدراكه للثانية من أولها، فإن إدراك الجماعة من أولها أفضل‏.‏ كما جاء في إدراكها بحدها‏.‏ فإن كانت الجماعتان سواء، فالثانية أفضل‏.‏ وإن تميزت الأولى بكمال الفضيلة، أو كثرة الجمع، أو فضل الإمام، أو كونها الراتبة، فهي في هذه الجهة أفضل، وتلك من جهة إدراكها بحدها أفضل، وقد يترجح هذا تارة وهذا تارة‏.‏ وأما إن قدر أن الثانية أكمل أفعالاً، وإماماً، أو جماعة، فهنا قد ترجحت من وجه آخر‏.‏
ومثل هذه المسألة لم تكن تعرف في السلف إلا إذا كان مدركاً لمسجد آخر، فإنه لم يكن يصلي في المسجد الواحد إمامان راتبان، وكانت الجماعة تتوفر مع الإمام الراتب، ولا ريب أن صلاته مع الإمام الراتب في المسجد جماعة ـ ولو ركعة ـ خير من صلاته في بيته ولو كان جماعة‏.‏ والله أعلم‏.‏