سئل: هل القصر في السفر سنة أو عزيمة‏؟‏‏
 
وسئل شيخ الإسلام‏:‏
هل القصر في السفر سنة أو عزيمة‏؟‏ وعن صحة الحديث الذي رواه الشافعي عن إبراهيم ابن محمد، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة، قالت‏:‏ كل ذلك قد فعل النبي صلىالله عليه وسلم قصر الصلاة وأتم‏.‏
فأجاب‏:‏
أما القصر في السفر‏:‏ فهو سنة النبي صلىالله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين؛ فإن النبي صلىالله عليه وسلم لم يصل في السفر قط إلا ركعتين، وكذلك أبو بكر وعمر، وكذلك عثمان في السنة / الأولى من خلافته، لكنه في السنة الثانية أتمها بمنى لأعذار مذكورة في غير هذا الموضع‏.‏
وأما الحديث المذكور‏:‏ فلا ريب أنه خطأ على عائشة‏.‏ وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى المدني القدري‏.‏ وهو وطلحة بن عمرو المكي ضعيفان، باتفاق أهل الحديث لا يحتج بواحد منهما فيما هو دون هذا‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت‏:‏ فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر‏.‏ وقيل لعروة‏:‏ فلم أتمت عائشة الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ تأولت، كما تأول عثمان‏.‏ فهذه عائشة تخبر بأن صلاة السفر ركعتان، وابن أختها عروة أعلم الناس بها يذكر أنها أتمت بالتأويل، لم يكن عندها بذلك سنة‏.‏ وكذلك ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصـلاة الفطـر ركعتان، وصـلاة الأضحى ركعتان، تمام غـير قصر على لسان نبيكم‏.‏
وأيضًا، فإن المسلمين قد نقلوا بالتواتر أن النبي صلىالله عليه وسلم لم يصل في السفر إلا ركعتين، ولم ينقل عنـه أحد أنه صلى أربعًا قط، ولكن الثابت عنه أن صام في السفر وأفطر، وكان أصحابه منهم الصائم ومنهم المفطر‏.‏
/وأما القصر‏:‏ فكل الصحابة كانوا يقصرون، منهم أهل مكة، وغير أهل مكة بمنى وعرفة وغيرهما، وقد تنازع العلماء في التربيع‏:‏ هل هو محرم أو مكروه‏؟‏ أو ترك للأولى أو مستحب‏؟‏ أو هما سواء‏؟‏ على خمسة أقوال‏:‏
أحدها‏:‏ قول من يقول‏:‏ إن الإتمام أفضل، كقول للشافعي‏.‏
والثاني‏:‏ قول من يسوى بينهما، كبعض أصحاب مالك‏.‏
والثالث‏:‏ قول من يقول‏:‏ القصر أفضل، كقول الشافعي الصحيح، وإحدى الروايتين عن أحمد‏.‏
والرابع‏:‏ قول من يقول‏:‏ الإتمام مكروه، كقول مالك في إحدى الروايتين، وأحمد في الرواية الأخرى‏.‏
والخامس‏:‏ قول من يقول‏:‏ إن القصر واجب، كقول أبي حنيفة ومالك في رواية‏.‏
وأظهر الأقوال قول من يقول‏:‏ إنه سنة، وإن الإتمام مكروه؛ ولهذا لا تجب نية القصر عند أكثر العلماء، كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد في أحد القولين عنه في مذهبه‏.‏