سئل‏:‏ هل لمسافة القصر قدر محدود عن الشارع صلىالله عليه وسلم‏؟‏‏
 
/وسئل‏:‏ هل لمسافة القصر قدر محدود عن الشارع صلىالله عليه وسلم‏؟‏
فأجاب‏:‏
السنة أن يقصر المسافر الصلاة، فيصلي الرباعية ركعتين‏.‏ هكذا فعل رسول الله صلىالله عليه وسلم في جميع أسفاره‏.‏ هو وأصحابه، ولم يصل في السفر أربعًا قط‏.‏ وما روي عنه‏:‏ أنه صلى في السفر أربعًا في حياته‏.‏ فهو حديث باطل عند أئمة الحديث‏.‏
وقد تنازع العلماء في المسافر إذا صلى أربعًا‏.‏ فقيل‏:‏ لا يجوز ذلك كما لا يجوز أن يصلي الفجر والجمعة والعيد أربعًا، وقيل‏:‏ يجوز، ولكن القصر أفضل عند عامتهم ـ ليس فيه إلا خلاف شاذ، ولا يفتقر القصر إلى نية، بل لو دخل في الصلاة وهو ينوي أن يصلي أربعًا؛ اتباعًا لسنة رسول الله صلىالله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم لما حج بالمسلمين حجة الوداع يصلي بهم ركعتين ركعتين، إلى أن رجع، وجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة، والمسلمون خلفه، ويصلي بصلاته أهل مكة وغيرهم‏:‏ جمعًا وقصرًا‏.‏ ولم يأمر أحدًا أن ينوى لا جمعًا ولا قصرًا‏.‏
/وأقام بمنى يوم العيد، وأيام منى، يصلي بالمسلمين ركعتين ركعتين، والمسلمون خلفه‏.‏ يصلي بصلاته أهل مكة وغيرهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، ولم يأمر النبي صلىالله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر أحدًا مـن أهل مكـة أن يصلي أربعًا، لا بمنى ولا بغيرها؛ فلهذا كان أصح قولي العلماء أن أهل مكة يجمعون بعرفة ومزدلفة، ويقصرون بها وبمنى‏.‏ وهذا قول عامة فقهاء الحجاز، كمالك، وابن عيينة، وهو قول إسحاق بن راهويه واختيار طائفة من أصحاب الشافعي، وأحمد، كأبي الخطاب في عباداته‏.‏
وقد قيل‏:‏ يجمعون ولا يقصرون، وهو قول أبي حنيفة، وهو المنصوص عن أحمد‏.‏ وقيل‏:‏ لا يقصرون، ولا يجمعون، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد، وهو أضعف الأقوال‏.‏
والصواب المقطوع به أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون هناك، كما كانوا يفعلون هناك مع النبي صلىالله عليه وسلم وخلفائه، ولم ينقل عن أحد من المسلمين أنه قال لهم هناك‏:‏ ‏(‏أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏ ولكن نقل أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم داخل مكة‏.‏ وكذلك كان عمر يأمر أهل مكة بالإتمام إذا صلى بهم في البلد، وأما بمنى، فلم يكن يأمرهم بذلك‏.‏
/وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه فقيل‏:‏ كان ذلك لأجل النسك، فلا يقصر المسافر سفرًا قصيرًا هناك‏.‏ وقيل‏:‏ بل كان ذلك لأجل السفر، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد‏.‏ والقول الثاني هو الصواب، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة، وكانوا محرمين، والقصر معلق بالسفر وجودًا وعدمًا، فلا يصلي ركعتين إلا مسافر، وكل مسافر يصلي ركعتين، كما قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه? ـ‏:‏ صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير نقص‏.‏ أي‏:‏ غير قصر على لسان نبيكم صلىالله عليه وسلم‏.‏ وفي الصحيح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت‏:‏ فرضت الصلاة ركعتين، ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر‏.‏
وقد تنازع العلماء‏:‏ هل يختص بسفر دون سفر‏؟‏ أم يجوز في كل سفر‏؟‏ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرًا كان أو طويلا، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلىالله عليه وسلم بعرفة ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد‏:‏ أربع فراسخ‏.‏
وأيضًا، فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر، لا بقصر ولا بفطر، ولا تيمم‏.‏ ولم يحد النبي صلىالله عليه وسلم مسافة القصر بحد، لا زماني، ولا مكاني‏.‏ والأقوال المذكورة في ذلك متعارضة، / ليس على شيء منها حجة، وهي متناقضة، ولا يمكن أن يحد ذلك بحد صحيح‏.‏
فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار، وحركة المسافر تختلف‏.‏ والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع صلىالله عليه وسلم، ويقيد ما قيده، فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة، والمسح على الخفين‏.‏
ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل، وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها‏.‏ والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم‏.‏