فصل: الصلوات في الأحوال العارضة‏
 
قَالَ ـ رَحمه الله‏:‏
فصل
وأما الصلوات في الأحوال العارضة، كالصلاة المكتوبة في الخوف، والمرض، والسفر، ومثـل الصـلاة لدفـع البـلاء عنـد أسبابـه كصلـوات الآيـات في الكسـوف ونحوه، أو الصـلاة لاستجـلاب النعماء كصـلاة الاستسقاء، ومثـل الصـلاة على الجنـازة‏:‏ ففقهاء الحـديث ـ كأحمـد وغـيره ـ متبعون لعامـة الحـديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابـه في هذا الباب فيجوزون في صـلاة الخوف جميـع الأنـواع المحفـوظـة عـن النبي / صلى الله عليه وسلم، ويختارون قصر الصلاة في السفر، اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإنه لم يصل في السفر قط رباعية إلا مقصـورة، ومن صلى أربعا لم يبطلوا صلاته؛ لأن الصحابة أقروا من فعل ذلك منهم، بل منهم مـن يكره ذلك، ومنهم من لا يكرهه وإن رأي تركه أفضل‏.‏ وفي ذلك عن أحمد روايتان‏.‏
وهذا بخلاف الجمع بين الصلاتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا مرات قليلة، فإنهم يستحبون تركه، إلا عند الحاجة إليه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حين جد به السير، حتي اختلف عن أحمد‏:‏ هل يجوز الجمع للمسافر النازل الذي ليس بسائر أم لا‏؟‏ ولهذا كان أهل السنة مجمعين على جواز القصر في السفر، مختلفين في جواز الإتمام، ومجمعين على جواز التفريق بين الصلاتين، مختلفين في جواز الجمع بينهما‏.‏
ويجوزون جميع الأنواع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة ‏[‏الكسوف‏]‏‏.‏ فأصحها وأشهرها أن يكون في كل ركعة ركوعان‏.‏ وفي الصحيح ـ أيضاً ـ في كل ركعة ثلاث ركوعات، وأربعة، ويجوزون حذف الركـوع الزائـد ، كما جاء عن النبـي صلى الله عليه وسلم، ويطيلون السجود فيها، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجهرون فيها بالقراءة‏.‏ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
/وكذلك ‏[‏الاستسقاء‏]‏ يجوزون الخروج إلى الصحراء، لصلاة الاستسقاء، والدعاء كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوزون الخروج والدعاء بلا صلاة‏.‏ كما فعله عمر ـ رضي الله عنه ـ بمحضر من الصحابة‏.‏ ويجوزون الاستسقاء بالدعاء تبعاً للصلوات الراتبة، كخطبة الجمعة ونحوها، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وكذلك ‏[‏الجنازة‏]‏ فإن اختيارهم أنه يكبر عليها أربعاً، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أنهم كانوا يفعلونه غالبا‏.‏ ويجوز على المشهور عند أحمد التخميس في التكبير، ومتابعة الإمام في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر خمسا، وفعله غير واحد من الصحابة، مثل على بن أبي طالب وغيره‏.‏ ويجوز ـ أيضاً على الصحيح ـ عنده التسبيع ومتابعة الإمام فيه؛ لما ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يكبرون أحيانا سبعاً، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولما في ذلك من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم