قاعدة: في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة‏
 
/وَقَال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رَحِمهُ الله‏:‏
الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏.‏
أما بعد، فهذه قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة ـ مثل قصر الصلاة والفطر في شهر رمضان ونحو ذلك‏.‏ وأكثر الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم جعلوها نوعين‏:‏ نوعا يختص بالسفر الطويل وهو‏:‏ القصر والفطر‏.‏ ونوعا يقع في الطويل والقصير كالتيمم والصلاة على الراحلة، وأكل الميتة هو من هذا القسم، وأما المسح على الخفين والجمع بين الصلاتين فمن الأول، وفي ذلك نزاع‏.‏
والكلام في مقامين‏:‏
/أحدهما‏:‏
الفرق بين السفر الطويل والقصير فيقال‏:‏
هذا الفرق لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا كقوله تعالى في آية الطهارة‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَي أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، وقوله تعالى في آية الصيام‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 184‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عليكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏‏.‏
وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة‏)‏‏.‏ وقول عائشة‏:‏ فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت في الحضر‏.‏ وقول عمر‏:‏ صلاة الأضحي ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏‏.‏ وقول صفوان بن عَسَّال‏:‏/ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرا أو مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط أو بول أو نوم‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم‏)‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضي أحدكم نهمته من سفر، فليتعجل الرجوع إلى أهله‏)‏
فهذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة ليس فيها تفريق بين سفر طويل وسفر قصير‏.‏ فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقا لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله‏.‏ وهذا الذي ذكر من تعليق الشارع الحكم بمسمي الاسم المطلق وتفريق بعض الناس بين نوع ونوع من غير دلالة شرعية له نظائر‏.‏
منها‏:‏ أن الشارع علق الطهارة بمسمي الماء في قوله‏:‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، ولم يفرق بين ماء وماء ولم يجعل الماء نوعين طاهراً وطهوراً‏.‏
ومنها‏:‏ أن الشارع علق المسح بمسمي الخف، ولم يفرق بين خف وخف، فيدخل في ذلك المفتوق والمخروق وغيرهما من غير تحديد، ولم يشترط ـ أيضاً ـ أن يثبت بنفسه‏.‏
/ومن ذلك‏:‏ أنه أثبت الرجعة في مسمى الطلاق بعد الدخول ولم يقسم طلاق المدخول بها إلى طلاق بائن ورجعي‏.‏
ومن ذلك‏:‏ أنه أثبت الطلقة الثالثة بعد طلقتين وافتداء، والافتداء‏:‏ الفرقة بعوض وجعلها موجبة للبينونة بغير طلاق يحسب من الثلاث‏.‏ وهذا الحكم معلق بهذا المسمى لم يفرق فيه بين لفظ ولفظ‏.‏
ومن ذلك‏:‏ أنه علق الكفارة بمسمي أيمان المسلمين في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏89‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏، ولم يفرق بين يمين ويمين من أيمان المسلمين، فجعل أيمان المسلمين المنعقدة تنقسم إلى مكفرة وغير مكفرة مخالف لذلك‏.‏
ومن ذلك‏:‏ أنه علق التحريم بمسمي الخمر وبيِّن أن الخمر هي المسكر في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل مسكر خمر وكل مسكر حرام‏)‏، ولم يفرق بين مسكر ومسكر‏.‏
ومن ذلك‏:‏ أنه علق الحكم بمسمي الإقامة، كما علقه بمسمي السفر، ولم يفرق بين مقيم ومقيم‏.‏ فجعل المقيم نوعين‏:‏ نوعا تجب عليه الجمعة بغيره ولا تنعقد به، ونوعا تنعقد به، لا أصل له‏.‏
بل الواجب أن هذه الأحكام لما علقها الشارع بمسمي السفر فهي / تتعلق بكل سفر سواء كان ذلك السفر طويلا أو قصيرا‏.‏ ولكن ثم أمور ليست من خصائص السفر بل تشرع في السفر والحضر‏.‏ فإن المضطر إلى أكل الميتة لم يخص الله حكمه بسفر لكن الضرورة أكثر ما تقع به في السفر فهذا لا فرق فيه بين الحضر والسفر الطويل والقصير، فلا يجعل هذا معلقا بالسفر‏.‏
وأما الجمع بين الصلاتين‏:‏ فهل يجوز في السفر القصير‏؟‏ فيه وجهان في مذهب أحمد‏:‏
أحدهما‏:‏ لا يجوز كمذهب الشافعي قياسا على القصر‏.‏
والثاني‏:‏ يجـوز كقول مالك؛ لأن ذلك شـرع في الحضر للمـرض والمطر، فصار كأكل الميتة إنما علته الحاجة لا السفر، وهذا هو الصواب، فإن الجمع بين الصلاتين ليس معلقا بالسفر وإنما يجوز للحاجة بخلاف القصر‏.‏
وأما الصلاة على الراحلة‏:‏ فقد ثبت في الصحيح بل استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى على راحلته في السفر قبل أي وجه توجهت به ويوتر عليها غير أنه لا يصلى عليها المكتوبة ‏.‏ وهل يسوغ ذلك في الحضر‏؟‏ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره‏.‏ فإذا جوز في /الحضر، ففي القصر أولي‏.‏ وأما إذا منع في الحضر فالفرق بينه وبين القصر والفطر يحتاج إلى دليل‏.‏
المقام الثاني‏:‏
حد السفر الذي علق الشارع به الفطر والقصر‏:‏
وهذا مما اضطرب الناس فيه ،قيل‏:‏ ثلاثة أيام‏.‏ وقيل‏:‏ يومين قاصدين‏.‏ وقيل‏:‏ أقل من ذلك‏.‏ حتي قيل‏:‏ ميل‏.‏ والذين حـددوا ذلك بالمسافة منهم من قال‏:‏ ثمانية وأربعون ميلاً‏.‏ وقيل‏:‏ ستة وأربعون، وقيل‏:‏خمسة وأربعون‏.‏وقيل‏:‏ أربعون، وهذه أقوال عن مالك، وقد قال أبو محمد المقدسي‏:‏ لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجهًا‏.‏ وهو كما قال ـ رحمه الله‏.‏ فإن التحديد بذلك ليس ثابتًا بنص ولا إجماع ولا قياس‏.‏ وعامـة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل والقصير، ويجعلون ذلك حدًا للسفر الطويل‏.‏ ومنهم من لا يسمي سفرًا إلا ما بلغ هذا الحد وما دون ذلك لا يسميه سفرًا‏.‏
فالذين قالوا‏:‏ ثلاثة أيام احتجوا بقوله‏:‏‏(‏يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن‏)‏‏.‏ وقد ثبت عنه في الصحيحين‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم‏)‏‏.‏ وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه / قال‏:‏ ‏(‏مسيرة يومين‏)‏‏.‏ وثبت في الصحيح‏:‏ ‏(‏مسيرة يوم‏)‏‏.‏ وفي السنن‏:‏ ‏(‏بريدًا‏)‏، فدل على أن ذلك كله سفر، وإذنه له في المسح ثلاثة أيام، إنما هو تجويز لمن سافر ذلك، وهو لا يقتضي أن ذلك أقل السفر، كما أذن للمقيم أن يمسح يومًا وليلة‏.‏ وهو لا يقتضي أن ذلك أقل الإقامة‏.‏
والذين قالوا‏:‏ يومين اعتمدوا على قول ابن عمر وابن عباس‏.‏والخلاف في ذلك مشهور عـن الصحابة حتي عـن ابن عمر وابن عباس‏.‏ وما روي‏:‏ ‏(‏يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعـة برد من مكة إلى عسفان‏)‏، إنما هو من قول ابن عباس‏.‏ ورواية ابن خزيمة‏.‏ وغـيره له مرفـوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل بلا شك عند أئمة أهل الحديث‏.‏ وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهـل مكـة بالتحـديد وإنما أقام بعد الهجرة زمنًا يسيرًا، وهو بالمدينة لا يحد لأهلها حدًا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين‏.‏
وأيضًا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس‏.‏ ومن ذكره فإنما يخبر به عن غيره تقليدًا وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلاً، فكيف يقدر الشارع لأمته حدًا لم يجر / له ذكر في كلامه وهو مبعوث إلى جميع الناس، فلابد أن يكون مقدار السفر معلومًا علمًا عامًا، وذرع الأرض مما لا يمكن، بل هو إما متعذر، وإما متعسر؛ لأنه إذا أمكن الملوك ونحوهم مسح طريق، فإنما يمسحونه على خطٍ مستوٍ أو خطوط منحنية انحناء مضبوطًا ومعلوم أن المسافرين قد يعرفون غير تلك الطريق، وقد يسلكون غيرها، وقد يكون في المسافة صعود، وقد يطول سفر بعضهم لبطء حركته، ويقصر سفر بعضهم لسرعة حركته، والسبب الموجب هو نفس السفر لا نفس مساحة الأرض‏.‏
والموجود في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في تقدير الأرض بالأزمنة كقوله في الحوض‏:‏ ‏(‏طوله شهر وعرضه شهر‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏بين السماء والأرض خمسمائة سنة‏)‏ ‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏إحدي أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة‏)‏، فقيل‏:‏ الأول بالسير المعتاد سير الإبل والأقدام، والثاني سير البريد؛ فإنه في العادة يقطع بقدر المعتاد سبع مرات‏.‏ وكذلك الصحابة يقولون‏:‏ يوم تام ويومان؛ ولهذا قال من حده بثمانية وأربعين ميلاً‏:‏ مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، لكن هذا لا دليل عليه‏.‏
وإذا كان كذلك فنقول‏:‏ كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف،فما كان سفرًا في عرف الناس فهو / السفر الذي علق به الشارع الحكم، وذلك مثل سفر أهل مكة إلى عرفة؛ فإن هذه المسافة بريد، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع بالسنة؛ والبريد هو نصف يوم بسير الإبل والأقدام، وهو ربع مسافة يومين وليلتين، وهو الذي قد يسمي مسافة القصر، وهو الذي يمكن الذاهب اليها أن يرجع من يومه‏.‏
وأما ما دون هذه المسافة ـ إن كانت مسافة القصر محدودة بالمساحة ـ فقد قيل‏:‏ يقصر في ميل‏.‏ وروي عن ابن عمر أنه قال‏:‏ لو سافرت ميلاً لقصرت‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ لم نجد أحدًا يقصر في أقل من ميل، ووجد ابن عمر وغيره يقصرون في هذا القدر، ولم يحد الشارع في السفر حدًا فقلنا بذلك اتباعًا للسنة المطلقة، ولم نجد أحدًا يقصر بما دون الميل‏.‏ ولكن هو على أصله، وليس هذا إجماعًا‏.‏ فإذا كان ظاهر النص يتناول ما دون ذلك، لم يضره ألا يعرف أحدًا ذهب إليه، كعادته في أمثاله‏.‏
وأيضًا، فليس في قول ابن عمر أنه لا يقصر في أقل من ذلك‏.‏
وأيضًا، فقد ثبت عن ابن عمر أنه كان لا يقصر في يوم أو يومين‏.‏ فأما أن تتعارض أقواله، أو تحمل على اختلاف الأحوال‏.‏ والكلام في مقامين‏:‏
المقام الأول‏:‏ أن من سافر مثل سفر أهل مكة إلى عرفات / يقصر‏.‏ وأما إذا قيل‏:‏ ليست محدودة بالمسافة بل الاعتبار بما هو سفر‏:‏ فمن سافر ما يسمي سفرًا قصر وإلا فلا‏.‏
وقد يركب الرجل فرسخا يخرج به لكشف أمر وتكون المسافة أميالاً ويرجع في ساعة أو ساعتين ولا يسمي مسافرًا، وقد يكون غيره في مثل تلك المسافة مسافرًا بأن يسير على الإبل والأقدام سيرًا لا يرجع فيه ذلك اليوم إلى مكانه‏.‏ والدليل على ذلك من وجوه‏:‏
أحدها‏:‏ أنه قد ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة وفي أيام مني‏.‏ وكذلك أبو بكر، وعمر بعده، وكان يصلى خلفهم أهل مكة ولم يأمرهم بإتمام الصلاة، ولا نقل أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة ـ لما صلى بالمسلمين ببطن عرفة الظهر ركعتين قصرًا وجمعًا، ثم العصر ركعتين ـ ‏:‏ ‏(‏يا أهل مكة، أتموا صلاتكم‏)‏‏.‏ ولا أمرهم بتأخير صلاة العصر، ولا نقل أحد أن أحدًا من الحجيج ـ لا أهل مكة ولا غيرهم ـ صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما صلى بجمهور المسلمين‏.‏ أو نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر قال في هذا اليوم‏:‏‏(‏يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر‏)‏،فقد غلط،وإنما نقل أن / النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في جوف مكة لأهل مكة عام الفتح‏.‏ وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قاله لأهل مكة لما صلى في جوف مكة‏.‏ ومن المعلوم أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعًا وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمني أيام مني، لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة، بل لو أخروا صلاة العصر ثم قاموا دون سائر الحجاج
فصلوها قصرًا، لنقل ذلك فكيف إذا أتموا الظهر أربعًا دون سائر المسلمين‏؟‏‏!‏
وأيضًا، فإنهم إذا أخذوا في إتمام الظهر والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرع في العصر، لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام، وإما أن يفوتهم معه بعض العصر، بل أكثرها‏.‏ فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات‏؟‏ وهذا حجة على كل أحد، وهو على من يقول‏:‏ إن أهل مكة جمعوا معه أظهر‏.‏ وذلك أن العلماء تنازعوا في أهل مكة هل يقصرون ويجمعون بعرفة‏؟‏ على ثلاثة أقوال‏:‏
فقيل‏:‏ لا يقصرون ولا يجمعون‏.‏ وهذا هو المشهور عند أصحاب الشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد‏:‏ كالقاضي في ‏[‏المجرد‏]‏ وابن عقيل في ‏[‏الفصول‏]‏ لاعتقادهم أن ذلك معلق بالسفر الطويل، وهذا قصير‏.‏
/والثاني‏:‏ أنهم يجمعون ولا يقصرون، وهذا مذهب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد ومن أصحاب الشافعي، والمنقولات عن أحمد توافق هذا؛ فإنه أجاب في غير موضع بأنهم لا يقصرون‏.‏ ولم يقل‏:‏ لا يجمعون، وهذا هو الذي رجحه أبو محمد المقدسي في الجمع وأحسن في ذلك‏.‏
والثالث‏:‏ أنهم يجمعون ويقصرون، وهذا مذهب مالك، وإسحاق بن راهويه، وهو قول طاووس، وابن عيينة، وغيرهما من السلف‏.‏ وقول طائفة من أصحاب أحمد والشافعي‏:‏ كأبي الخطاب في ‏[‏العبادات الخمس‏]‏‏.‏ وهو الذي رجحه أبو محمد المقدسي وغيره من أصحاب أحمد، فإن أبا محمد وموافقيه رجحوا الجمع للمكي بعرفة‏.‏
وأما ‏[‏القصر‏]‏‏:‏ فقال أبو محمد‏:‏ الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه‏.‏ والمعلوم أن الإجماع لم ينعقد على خلافه، وهو اختيار طائفة من علماء أصحاب أحمد‏:‏ كان بعضهم يقصر الصلاة في مسيرة بريد، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لمن تبين السنة وتدبرها‏.‏ فإن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقها، علم علمًا يقينًا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك‏.‏ ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ـ لا بعرفة ولا / مزدلفة ولا منى ـ ‏:‏ ‏[‏يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏ وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة كما رواه أهل السنن عنه، وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومني، دليل على الفرق‏.‏ وقد روي من جهة أهل العراق عن عمر أنه كان يقول بمني‏:‏ يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر‏.‏ وليس له إسناد‏.‏
وإذا ثبت ذلك فالجمع بين الصلاتين قد يقال‏:‏ إنه لأجل النسك، كما تقوله الحنفية، وطائفة من أصحاب أحمد‏.‏ وهو مقتضي نصه؛ فإنه يمنع المكي من القصر بعرفة ولم يمنعه من الجمع‏.‏ وقال في جمع المسافر‏:‏ إنه يجمع في الطويل كالقصر عنده، وإذا قيل‏:‏ الجمع لأجل النسك، ففيه قولان‏:‏
أحدهما‏:‏ لا يجمع إلا بعرفة ومزدلفة كما تقوله الحنفية‏.‏
والثاني‏:‏ أنه يجمع لغير ذلك من الأسباب المقتضية للجمع وإن لم يكن سفرًا، وهو مذهب الثلاثة‏:‏ مالك والشافعي وأحمد‏.‏
وقد يقال‏:‏ لأن ذلك سفر قصير، وهو يجوز الجمع في السفر القصير، كما قال هذا وهذا بعض الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، فإن الجمع لا يختص بالسفر، والنبي صلى الله عليه وسلم لم / يجمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة،ولم يجمع بمني،ولا في ذهابه وإيابه، ولكن جمع قبل ذلك في غزوة تبوك، والصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر، كما قصر للسفر، بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة، وكان جمع عرفة لأجل العبادة، وجمع مزدلفة لأجل السير الذي جد فيه وهو سيره إلى مزدلفة، وكذلك كان يصنع في سفره‏.‏ كان إذا جد به السير أخر الأولي إلى وقت الثانية، ثم ينزل فيصليهما جميعًا، كما فعل بمزدلفة‏.‏ وليس في شريعته ما هو خارج عن القياس، بل الجمع الذي جمعه هناك يشرع أن يفعل نظيره، كما يقوله الأكثرون‏.‏ ولكن أبو حنيفة يقول‏:‏ هو خارج عن القياس‏.‏ وقد علم أن تخصيص العلة إذا لم تكن لفوات شرط أو وجود مانع، دل على فسادها، وليس فيما جاء من عند الله اختلاف ولا تناقض، بل حكم الشيء حكم مثله، والحكم إذا ثبت بعلة ثبت بنظيرها‏.‏
وأما القصر‏:‏ فلا ريب أنه من خصائص السفر، ولا تعلق له بالنسك، ولا مسوغ لقصر أهل مكة بعرفة وغيرها إلا أنهم بسفر، وعرفة تبعد عن المسجد بريد، كما ذكره الذين مسحوا ذلك، وذكره الأزرقي في ‏[‏أخبار مكة‏]‏‏.‏ فهذا قصر في سفر قدره بريد، وهم لما رجعوا إلى منى كانوا في الرجوع من السفر، وإنما كان غاية قصدهم / بريدًا، وأي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة وبين سفر سائر المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم‏؟‏‏!‏ والله لم يرخص في الصلاة ركعتين إلا لمسافر، فعلم أنهم كانوا مسافرين، والمقيم إذا اقتدي بمسافر، فإنه يصلى أربعًا‏.‏ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة في مكة‏:‏ ‏(‏أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏ وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء، ولكن في مذهب مالك نزاع‏.‏
الدليل الثاني‏:‏ أنه قد نهي أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم أو زوج‏:‏ تارة يقدِّر‏.‏ وتارة يطلق‏.‏ وأقل ما روي في التقدير‏:‏ بريد، فدل ذلك على أن البريد يكون سفرًا‏.‏ كما أن الثلاثة الأيام تكون سفرًا، واليومين تكون سفرًا، واليوم يكون سفرًا‏.‏ هذه الأحاديث ليس لها مفهوم، بل نهي عن هذا وهذا وهذا‏.‏
الدليل الثالث‏:‏ أن السفر لم يحده الشارع‏.‏ وليس له حد في اللغة، فرجع فيه إلى ما يعرفه الناس ويعتادونه، فما كان عندهم سفرًا فهو سفر والمسافر يريد أن يذهب إلى مقصده ويعود إلى وطنه، وأقل ذلك مرحلة يذهب في نصفها ويرجع في نصفها، وهذا هو البريد وقد حدوا بهذه المسافة ‏[‏الشهادة على الشهادة‏]‏، وكتاب ‏[‏القاضي إلى القاضي‏]‏، و‏[‏العدو على الخصم‏]‏، و‏[‏الحضانة‏]‏، وغير ذلك مما هو معروف في موضعه‏.‏ وهو أحد القولين في مذهب أحمد‏.‏ فلو كانت المسافة محدودة،/ لكان حدها بالبريد أجود، لكن الصواب أن السفر ليس محددًا بمسافة؛ بل يختلف فيكون مسافرًا في مسافة بريد، وقد يقطع أكثر من ذلك ولا يكون مسافرًا‏.‏
الدليل الرابع‏:‏ أن المسافر رخص الله له أن يفطر في رمضان، وأقل الفطر يوم، ومسافة البريد يذهب اليها ويرجع في يوم، فيحتاج إلى الفطر في شهر رمضان، ويحتاج أن يقصر الصلاة؛ بخلاف ما دون ذلك، فإنه قد لا يحتاج فيه إلى قصر ولا فطر إذا سافر أول النهار ورجع قبل الزوال‏.‏ وإذا كان غدوه يومًا ورواحه يومًا، فإنه يحتاج إلى القصر والفطر، وهذا قد يقتضي أنه قد يرخص له أن يقصر ويفطر في بريد، وإن كان قد لا يرخص له في أكثر منه إذا لم يعد مسافرًا‏.‏
الدليل الخامس‏:‏ أنه ليس تحديد من حد المسافة بثلاثة أيام بأولي ممن حدها بيومين، ولا اليومان بأولي من يوم، فوجب ألا يكون لها حد، بل كل ما يسمي سفرًا يشرع‏.‏ وقد ثبت بالسنة القصر في مسافة بريد، فعلم أن في الأسفار ما قد يكون بريدًا، وأدني ما يسمي سفرًا في كلام الشارع البريد‏.‏
وأما ما دون البريد كالميل، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي / صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يأتي قباء كل سبت، وكان يأتيه راكبًا وماشيا‏.‏ ولا ريب أن أهل قباء وغيرهم من أهل العوالي كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ولم يقصر الصلاة هو ولا هم، وقد كانوا يأتون الجمعة من نحو ميل وفرسخ، ولا يقصرون الصلاة، والجمعة على من سمع النداء، والنداء قد يسمع من فرسخ، وليس كل من وجبت عليه الجمعة أبيح له القصر، والعوالي بعضها من المدينة، وإن كان اسم المدينة يتناول جميع المساكن، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ على النِّفَاقِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 101‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 120‏]‏‏.‏
وأما ما نقل عن ابن عمر فينظر فيه هل هو ثابت أم لا‏؟‏ فإن ثبت، فالرواية عنه مختلفة‏.‏ وقد خالفه غيره من الصحابة، ولعله أراد‏:‏ إذا قطعت من المسافة ميلاً، ولا ريب أن قباء من المدينة أكثر من ميل، وما كان ابن عمر ولا غيره يقصرون الصلاة إذا ذهبوا إلى قباء‏.‏ فقصر أهل مكة الصلاة بعرفة وعدم قصر أهل المدينة الصلاة إلى قباء ونحوها مما حول المدينة دليل على الفرق‏.‏ والله أعلم‏.‏
والصلاة على الراحلة إذا كانت مختصة بالسفر لا تفعل إلا فيما يسمي سفرًا؛ ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته في / خروجه إلى مسجد قباء، مع أنه كان يذهب إليه راكبًا وماشيا، ولا كان المسلمون الداخلون من العوالي يفعلون ذلك، وهذا لأن هذه المسافة قريبة، كالمسافة في المصر‏.‏ واسم ‏[‏المدينة‏]‏، يتناول المساكن كلها، فلم يكن هناك إلا أهل المدينة والأعراب، كما دل عليه القرآن‏.‏ فمن لم يكن من الأعراب، كان من أهل المدينة‏.‏ وحينئذ، فيكون مسيرة إلى قباء كأنه في المدينة، فلو سوغ ذلك، سوغت الصلاة في المصر على الراحلة، وإلا فلا فرق بينهما‏.‏
والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلى بأصحابه جمعًا وقصرًا، لم يكن يأمر أحدًا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلى ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلى العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر، ولم يكونوا نووا الجمع، وهذا جمع تقديم‏.‏ وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين، ولم يأمرهم بنية قصر، وفي الصحيح‏:‏ أنه لما صلى إحدي صلاتي العشي وسلم من اثنتين قال له ذو اليدين‏:‏ أقصرت الصلاة أم نسيت‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لم أنس ولم تقصر‏)‏‏.‏ قال‏:‏ بلي قد نسيت قال‏:‏ ‏(‏أكما يقول ذو اليدين‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نعم فأتم الصلاة، ولو كان القصر لا يجوز إلا إذا نووه لبين ذلك، ولكانوا يعلمون ذلك‏.‏
والإمام أحمد لم ينقل عنه ـ فيما أعلم ـ أنه اشترط النية في جمع ولا / قصر؛ ولكن ذكره طائفة من أصحابه كالخرقي والقاضي‏.‏ وأما أبو بكر عبد العزيز وغيره فقالوا‏:‏ إنما يوافق مطلق نصوصه‏.‏
وقالوا‏:‏ لا يشترط للجمع ولا للقصر نية، وهو قول الجمهور من العلماء‏:‏ كمالك، وأبي حنيفة، وغيرهما، بل قد نص أحمد على أن المسافر له أن يصلى العشاء قبل مغيب الشفق، وعلل ذلك بأنـه يجـوز له الجمع، كما نقله عنـه أبو طالب والمروذي، وذكر ذلك القاضي في الجامع الكبير، فعلم أنه لا يشترط في الجمع نية‏.‏
ولا تشترط ـ أيضًا ـ المقارنة فإنه لما أباح أن تصلى العشاء قبل مغيب الشفق وعلله بأنه يجوز له الجمع، لم يجز أن يراد به الشفق الأبيض، لأن مذهبه المتواتر عنه أن المسافر يصلى العشاء بعد مغيب الشفق الأحمر، وهو أول وقتها عنده‏.‏ وحينئذ، يخرج وقت المغرب عنده، فلم يكن مصليا لها في وقت المغرب، بل في وقتها الخاص‏.‏ وأما في الحضر فاستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق الأبيض قال‏:‏ لأن الحمرة قد تسترها الحيطان فيظن أن الأحمر قد غاب ولم يغب‏.‏ فإذا غاب البياض تيقن مغيب الحمرة‏.‏ فالشفق عنده في الموضعين الحمرة، لكن لما كان الشك في الحضر لاستتار الشفق بالحيطان احتاط بدخول الأبيض‏.‏ فهذا مذهبه المتواتر من نصوصه الكثيرة‏.‏
/وقد حكي بعضهم رواية عنه أن الشفق في الحضر الأبيض وفي السفر الأحمر‏.‏ وهذه الرواية حقيقتها كما تقدم، وإلا فلم يقل أحمد ولا غيره من علماء المسلمين‏:‏ إن الشفق في نفس الأمر يختلف بالحضر والسفر‏.‏ وأحمد قد علل الفرق‏.‏ فلو حكي عنه لفظ مجمل، كان المفسر من كلامه يبينه‏.‏ وقد حكي بعضهم رواية عنه أن الشفق مطلق البياض‏.‏ وما أظن هذا إلا غلطًا عليه‏.‏ وإذا كان مذهبه أن أول الشفق إذا غاب في السفر خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء ـ وهو يجوز للمسافر أن يصلى العشاء قبل مغيب الشفق وعلل ذلك بأنه يجوز له الجمع ـ علم أنه صلاها قبل مغيبها لا بعد مغيب الأحمر فإنه ـ حينئذٍ ـ لا يجوز التعليل بجواز الجمع‏.‏
الثاني‏:‏ أن ذلك من كلامه يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت وإن لم يصل إحداهما بالأخري، كالجمع في وقت الثانية على المشهور من مذهبه ومذهب غيره، وأنه إذا صلى المغرب في أول وقتها والعشاء في آخر وقت المغرب ـ حيث يجوز له الجمع ـ جاز ذلك وقد نص ـ أيضًا ـ على نظير هذا فقال‏:‏ إذا صلى إحدي صلاتي الجمع في بيته والأخري في المسجد، فلا بأس‏.‏ وهذا نص منه على أن الجمع هو جمع في الوقت لا تشترط فيه المواصلة، وقد تأول ذلك بعض أصحابه على قرب ال
فصل، وهو خلاف النص‏.‏ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم / لما صلى بهم بالمدينة ثمانيا جميعًا وسبعًا جميعًا، لم ينقل أنه أمرهم ابتداء بالنية، ولا السلف بعده‏.‏ وهذا قول الجمهور‏:‏ كأبي حنيفة ومالك وغيرهما، وهو في القصر مبني على فرض المسافر‏.‏