فصل: في السنة بعد الجمعة
 
فصل
وأما السنة بعد الجمعة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، كما ثبت عنه في الصحيحين‏:‏ أنه كان يصلي قبل الفجر ركعتين، وبعد الظهر ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين‏.‏
وأما الظهر، ففي حديث ابن عمر‏:‏ أنه كان يصلي قبلها ركعتين، وفي الصحيحين عن عائشة‏:‏ أنه كان يصلي قبلها أربعا‏.‏
وفي الصحيح عن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة بني الله له بيتا في الجنة‏)‏‏.‏ وجاء مفسرا في السنن‏:‏ ‏(‏أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر‏)‏‏.‏ فهذه هي السنن الراتبة التي ثبتت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله‏.‏ مدارها على هذه الأحاديث الثلاثة‏:‏ حديث ابن عمر، وعائشة، وأم حبيبة‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالليل‏:‏ إما إحدي عشرة ركعة، وإما ثلاث عشرة ركعة، فكان مجموع صلاته بالليل والنهار فرضه ونفله نحوا من أربعين ركعة‏.‏
/والناس في هذه السنن الرواتب على ثلاثة أقوال‏:‏
منهم من لا يوقت في ذلك شيئا، كقول مالك، فإنه لا يري سنة إلا الوتر، وركعتي الفجر‏.‏ وكان يقول‏:‏ إنما يوقت أهل العراق‏.‏
ومنهم من يقدر في ذلك أشياء بأحاديث ضعيفة، بل باطلة، كما يوجد في مذاهب أهل العراق، وبعض من وافقهم من أصحاب الشافعي وأحمد، فإن هؤلاء يوجد في كتبهم من الصلوات المقدرة والأحاديث في ذلك ما يعلم أهل المعرفة بالسنة أنه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، كمن روي عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه صلى قبل العصر أربعا‏.‏ أو أنه قضي سنة العصر‏.‏ أو أنه صلى قبل الظهر ستا‏.‏ أو بعدها أربعا‏.‏ أو أنه كان يحافظ على الضحي‏.‏ وأمثال ذلك من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأشد من ذلك ما يذكره بعض المصنفين في ‏[‏الرقائق والفضائل‏]‏ في الصلوات الأسبوعية، والحولية‏:‏ كصلاة يوم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، والسبت، المذكورة في كتاب أبي طالب، وأبي حامد، وعبد القادر، وغيرهم‏.‏ وكصلاة ‏[‏الألفية‏]‏ التي في أول رجب، ونصف شعبان، والصلاة ‏[‏الاثني عشرية‏]‏ التي في أول ليلة جمعة من رجب، والصلاة التي في ليلة سبع وعشرين من / رجب، وصلوات أخر تذكر في الأشهر الثلاثة، وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء، وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه أن ذلك كذب عليه، ولكن بلغ ذلك أقواما من أهل العلم والدين، فظنوه صحيحا، فعملوا به، وهم مأجورون على حسن قصدهم واجتهادهم، لا على مخالفة السنة‏.‏
وأما من تبينت له السنة فظن أن غيرها خير منها، فهو ضال مبتدع، بل كافر‏.‏
والقول الوسط العدل هو ما وافق السنة الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ وقد ثبت عنه أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين‏.‏ وفي صحيح مسلم عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا‏)‏‏.‏ وقد روي الست عن طائفة من الصحابة جمعا بين هذا وهذا‏.‏
والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة، وغيرها‏.‏ كما ثبت عنه في الصحيح‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس‏.‏ يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏/ وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة‏.‏
ولهذا استحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام، وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها‏.‏ وهكذا تمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها‏.‏
وأيضًا، فإن كثيرًا من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلموا، وما سلموا، فيصلون ظهرًا ويظن الظان أنهم يصلون السنة، فإذا حصل التمييز بين الفرض والنفل، كان في هذا مَنْعٌ لهذه البدعة، وهذا له نظائر كثيرة، والله ـ سبحانه ـ أعلم‏.