سئل: عن صلاة الجمعة في جامع القلعة‏: هل هي جائزة ؟
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن صلاة الجمعة في جامع القلعة‏:‏ هل هي جائزة ـ مع أن في البلد خطبة أخري، مع وجود سورها، وغلق أبوابها ـ أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
نعم، يجوز أن يصلي فيها جمعة لأنها مدينة أخري، كمصر والقاهرة، ولو لم تكن كمدينة أخري، فإقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء، ولهذا لما بنيت بغداد ولها جانبان، أقاموا فيها جمعة في الجانب الشرقي، وجمعة في الجانب الغربي‏.‏ وجوز ذلك أكثر العلماء، وشبهوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته إلا في موضع، يخرج بالمسلمين فيصلي العيد بالصحراء، وكذلك كان الأمر في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان‏.‏ فلما تولي على بن أبي طالب وصار بالكوفة، وكان الخلق بها كثيرًا، قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين، إن بالمدينة شيوخًا وضعفاء يشق عليهم الخروج إلى الصحراء، فاستخلف / على بن أبي طالب رجلاً يصلي بالناس العيد في المسجد، وهو يصلي بالناس خارج الصحراء، ولم يكن هذا يفعل قبل ذلك، وعلى من الخلفاء الراشدين‏.‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي‏)‏‏.‏ فمن تمسك بسنة الخلفاء الراشدين فقد أطاع الله ورسوله، والحاجة في هذه البلاد وفي هذه الأوقات تدعو إلى أكثر من جمعة، إذا ليس للناس جامع واحد يسعهم، ولا يمكنهم جمعة واحدة إلا بمشقة عظيمة‏.‏
وهنا وجه ثالث‏:‏ وهو أن يجعل القلعة كأنها قرية خارج المدينة‏.‏ والذي عليه الجمهور كمالك والشافعي وأحمد‏:‏ أن الجمعة تقام في القري؛ لأن في الصحيح عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة المدينة، جمعة ‏[‏بجؤاثي‏]‏ ـ قرية من قري البحرين ـ وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه وفد عبد القيس‏.‏ وكذلك كتب عمر بن الخطاب إلى المسلمين يأمرهم بالجمعة حيث كانوا‏.‏ وكان عبد الله بن عمر يمر بالمياه التي بين مكة والمدينة وهم يقيمون الجمعة فلا ينكر عليهم‏.‏
وأما قول على ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع‏.‏ فلو لم يكن له مخالف، لجاز أن يراد به أن كل قرية مصر جامع كما أن المصر الجامع يسمي قرية‏.‏ وقد سمي الله مكة قرية، بل سماها / ‏[‏أم القري‏]‏، بل وما هو أكبر من مكة، كما في قوله‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 13‏]‏، وسمي مصر القديمة قرية بقوله‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 82‏]‏، ومثله في القرآن كثير، والله أعلم‏.‏