فصل: جمع بين التكبير والتهليل والتحميد
 
فصل
وإذا عرف أن التحميد قرين التسبيح، وأن التهليل قرين التكبير، ففي تكبير الأعياد جمع بين القرينين، فجمع بين التكبير والتهليل، وبين التكبير والتحميد لقوله‏:‏ ‏{‏وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ على مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏، فإن الهداية اقتضت التكبير عليها، فضم إليه قرينه، وهو التهليل‏.‏ والنعمة اقتضت الشكر عليها، فضم إليه ـ أيضا ـ التحميد‏.‏ وهذا كما أن ركوب الدابة لما اجتمع فيه أنه شرف من الأشراف، وأنه موضع نعمة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع عليها بين الأمرين، فإنه قال ـ سبحانه ـ‏:‏ ‏{‏لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عليه وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 13،14‏]‏، فأمر بذكر نعمة الله عليه، وذكرها بحمدها، وأمر بالتسبيح الذي هو قرين الحمد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أتي بالدابة فوضع رجله في الغرز قال‏:‏ ‏(‏بسم الله‏)‏‏.‏ فلما استوي على ظهرها قال‏:‏ ‏(‏الحمد لله‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏، ثم حمد ثلاثا، وكبر ثلاثا، ثم قال‏:‏ ‏(‏لا إله إلا أنت /سبحانك، ظلمت نفسي فاغفر لي‏)‏، ثم ضحك وقال‏:‏ ‏(‏ضحكت من ضحك الرب إذا قال العبد ذلك يقول الله‏:‏ علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري‏)‏‏.‏
فذكر بعد ذلك ذكر الإشراف وهو التكبير مع التهليل، وختمه بالاستغفار؛ لأنه مقرون بالتوحيد، كما قد رتب اقتران الاستغفار بالتوحيد في غير موضع، كقوله‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏19‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 2،3‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَاسْتَقِيمُوا إليه وَاسْتَغْفِرُوهُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 6‏]‏‏.‏ فكان ذكره على الدابة مشتملا على الكلمات الأربع الباقيات الصالحات مع الاستغفار‏.‏ فهكذا ذكر الأعياد اجتمع فيه التعظيم، والنعمة، فجمع بين التكبير والحمد‏.‏ فالله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا‏.‏
وقد روي عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثًا، ويقول‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏.‏ فيشبهه بذكر الإشراف في تثليثه، وضم التهليل إليه، وهذا اختيار الشافعي‏.‏
وأما أحمد وأبو حنيفة وغيرهما، فاختاروا فيه ما رووه عن طائفة /من الصحابة‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث جابر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد‏)‏، فيشفعونه مرتين، ويقرنون به في إحداهما التهليل، وفي الأخري الحمد، تشبيهاً له بذكر الأذان‏.‏ فإن هذا به أشبه؛ لأنه متعلق بالصلاة، ولأنه في الأعياد التي يجتمع فيها اجتماعا عاما، كما أن الأذان لاجتماع الناس، فشابه الأذان، في أنه تكبير اجتماع لا تكبير مكان، وأنه متعلق بالصلاة لا بالشرف، فشرع تكريره كما شرع تكرير تكبير الأذان، وهو في كل مرة مشفوع، وكل المأثور حسن‏.‏
ومن الناس من يثلثه أول مرة، ويشفعه ثاني مرة، وطائفة من الناس تعمل بهذا‏.‏