سئل: عن المريض إذا قالت له الأطباء‏‏ مالك دواء غير أكل لحم الكلب أو الخنزير؟
 
وسئل عن المريض إذا قالت له الأطباء‏:‏ مالك دواء غير أكل لحم الكلب، أو الخنزير‏.‏ فهل يجوز له أكله مع قوله تعالي‏:‏ ‏{‏وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهمُ الْخَبَآئِثَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏157‏]‏، وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها‏)‏ ‏؟‏ وإذا وصف له الخمر أو النبيذ‏:‏ هل يجوز شربه مع هذه النصوص أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
لا يجوز التداوي بالخمر وغيرهـا مـن الخبائث، لما رواه وائل بن حجر؛ أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال‏:‏ إنما أصنعها للدواء‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنه ليس بـدواء،ولكـنه داء‏)‏‏.‏رواه الإمام أحمد،ومسلم في صحيحه‏.‏وعن أبي الدرداء قـال‏:‏ قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله أنـزل الدواء، وأنزل الـداء، وجعـل لكـل داء دواء، فتـداووا ولا تتـداووا بحـرام‏)‏‏.‏ رواه أبو داود، وعـن أبي هريرة قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عـن الـدواء بالخـبيث‏.‏ وفي لفـظ‏:‏ يعني السـم‏.‏ رواه / أحمـد وابن ماجـه والترمذي‏.‏
وعن عبد الرحمن بن عثمان قال‏:‏ ذكر طبيب عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دواء، وذكر الضفدع تجعل فيه، فنهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع‏.‏ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي‏.‏ وقال عبد اللّه بن مسعود في السكر‏:‏ إن اللّه لم يجعل شفاءكم بما حرم عليكم‏.‏ ذكره البخاري في صحيحه‏.‏ وقد رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه النصوص وأمثالها صريحة في النهي عن التداوي بالخبائث، مصرحة بتحريم التداوي بالخمر إذ هي أم الخبائث، وجماع كل إثم‏.‏
والخمر اسم لكل مسكر، كما ثبت بالنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم في صحيحه، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل مسكر خمر، وكل خمر حرام‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كل مسكر حرام‏)‏‏.‏ وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ قلت‏:‏ يارسول اللّه، أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن‏:‏ البتع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمزر‏:‏ وهو من الذرة والشعير، ينبذ حتى يشتد‏؟‏ وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم، فقال‏:‏ ‏(‏كل مسكر حرام‏)‏‏.‏
وكذلك في الصحيحين عن عائشة قالت‏:‏ سئل رسول اللّه / صلى الله عليه وسلم عن البتع ـ وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه ـ فقال‏:‏ ‏(‏كل شراب أسكر، فهو حرام‏)‏‏.‏ ورواه مسلم في صحيحـه، والنسائي، وغـيرهما، عـن جـابر؛ أن رجـلا من حبشان من اليمن سأل رســول اللّه صلى الله عليه وسلم عـن شـراب يشربونـه بأرضهم من الذرة، يقال له‏:‏ المزر، فقال‏:‏ أمسكر هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فقال‏:‏ ‏(‏كل مسكر حرام، إن على اللّه عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال‏)‏ الحديث‏.‏ فهذه الأحاديث المستفيضة صريحة بأن كل مسكر حرام، وأنه خمر من أي شيء كان، ولا يجوز التداوي بشيء من ذلك‏.‏
وأمـا قول الأطباء‏:‏ إنه لا يبرأ من هذا المرض إلا بهذا الدواء المعين، فهذا قول جاهل، لا يقـولـه مـن يعلم الطب أصلا، فضـلا عمـن يعـرف اللّه ورسـولـه‏.‏ فـإن الشفاء ليس في سبـب معـين يوجبه في العادة، كما للشبـع سبب معـين يوجبـه في العادة، إذ من الناس مـن يشفيـه الله بـلا دواء، ومنهم مـن يشفيه اللّه بالأدوية الجثمانية، حلالها وحـرامها، وقـد يسـتعمل فــلا يحصل الشفاء لفوات شرط، أو لوجود مانع، وهذا بخـلاف الأكـل، فإنـه سبب للشبع‏.‏ولهذا أباح اللّه للمضطر الخبائث أن يأكلها عند الاضطـرارإليها في المخمصـة، فـإن الجـوع يزول بها، ولا يزول بغيرها، بل يموت أو يمرض مـن الجـوع، فلما تعـينت طـريقاً /إلى المقصـود، أباحـها اللّه، بخلاف الأدوية الخبيثة‏.‏
بل قد قيل‏:‏ من استشفي بالأدوية الخبيثة، كان دليلا على مرض في قلبه، وذلك في إيمانه‏.‏ فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين، لما جعل اللّه شفاءه فيما حرم عليه، ولهذا إذا اضطرإلى الميتة ونحوها، وجب عليه الأكل في المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة، وأما التداوي، فلا يجب عند أكثر العلماء بالحلال، وتنازعوا‏:‏ هل الأفضل فعله أو تركه على طريق التوكل ‏؟‏
ومما يبين ذلك‏:‏ أن اللّه لما حـرم الميتـة والدم ولحم الخنزير، وغيرها، لم يبح ذلك إلا لمن اضطـرإليها غير باغ ولا عاد‏.‏ وفي آية أخري‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏‏.‏ ومعلوم أن المتداوي غير مضطرإليها، فعلم أنها لم تحل له‏.‏
وأما ما أبيح للحـاجة لا لمجرد الضرورة ـ كلباس الحرير ـ فقد ثبت في الصحيح‏:‏ أن النبـي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، لحكة كانت بهما‏.‏ وهذا جائز على أصح قولي العلماء؛ لأن لبس الحرير إنما حرم عند الاستغناء عنه‏.‏ ولهذا أبيح للنساء لحاجتهن إلى التزين به، وأبيح لهن التستر به مطلقا فالحاجةإلى التداوي به كذلك، بل أولى، وهذه حرمت لما فيها من / السرف والخيلاء والفخر، وذلك منتف إذا احتيج إليه، وكذلك لبسها للبرد، أو إذا لم يكن عنده ما يستتر به غيرها‏.‏