سئل: عمن جعل المصحف والقنديل عند القبر؟
 
وسئل عن جعل المصحف عند القبر، ووقيد قنديل في موضع يكون من غير أن يقرأ فيه، مكروه أم لا ‏؟‏
فأجاب‏:‏
وأما جعل المصحف عند القبور،وإيقاد القناديل هناك، فهذا مكروه منهي عنه، ولو كان قد جعل للقراءة فيه هنالك، فكيف إذا لم يقرأ فيه‏؟‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لعن اللّه زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج‏)‏‏.‏ فإيقاد السرج من قنديل / وغيره على القبور منهي عنه، مطلقاً؛ لأنه أحد الفعلين اللذين لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من يفعلهما‏.‏
كما قال‏:‏ ‏(‏لا يخرج الرجلان يضربان الغائط، كاشفين عن عوراتهما يتحدثان، فإن اللّه يمقت على ذلك‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وغيره‏.‏ ومعلوم أنه ينهي عن كشف العورة وحده، وعن التحدث وحده، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68، 69‏]‏‏.‏ فتوعد على مجموع أفعال، وكل فعل منها محرم‏.‏
وذلك لأن ترتيب الذم على المجموع، يقتضي أن كل واحد له تأثير في الذم، ولو كان بعضها مباحا، لم يكن له تأثير في الذم‏.‏ والحرام لا يتوكد بانضمام المباح المخصص إليه‏.‏
والأئمة قد تنازعوا في القراءة عند القبر‏:‏ فكرهها أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في أكثر الروايات، ورخص فيها في الرواية الأخري عنه‏:‏ هو وطائفة من أصحاب أبي حنيفة، وغيرهم‏.‏
وأما جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك،/ وتلاوته، فبدعة منكرة، لم يفعلها أحد من السلف‏.‏ بل هي تدخل في معني اتخاذ المساجد على القبور‏.‏ وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، حتى قال‏:‏ ‏(‏لعن اللّه إليهود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ ـ يحذر ما صنعوا ـ قالت عائشة‏:‏ ولولا ذلك، لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏ ولا نزاع بين السلف والأئمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد‏.‏
ومعلوم أن المساجد بنيت للصلاة والذكر، وقراءة القرآن، فإذا اتخذ القبر لبعض ذلك، كان داخلا في النهي، فإذا كان هذا مع كونهم يقرؤون فيها، فكيف إذا جعلت المصاحف بحيث لا يقرأ فيها، ولا ينتفع بها لا حي ولا ميت‏؟‏ فإن هذا لا نزاع في النهي عنه‏.‏
ولو كان الميت ينتفع بمثل ذلك لفعله السلف، فإنهم كانوا أعلم بما يحبه اللّه ويرضاه، وأسرع إلى فعل ذلك، وتحريه‏.‏