فصل: في ‏القراءة والصدقة وغيرهما
 
/ فصل
وأما ‏[‏القراءة، والصدقة‏]‏ وغيرهما من أعمال البر، فلا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية، كالصدقة والعتق،كما يصل إليه ـ أيضاً ـ الدعاء والاستغفار، والصلاة عليه صلاة الجنازة، والدعاء عند قبره‏.‏
وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية‏:‏ كالصوم، والصلاة، والقراءة‏.‏ والصواب أن الجميع يصل إليه، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من مات وعليه صيام، صام عنه وليه‏)‏‏.‏ وثبت ـ أيضاً ـ‏:‏ أنه أمر امرأة ماتت أمها، وعليها صوم، أن تصوم عن أمها‏.‏ وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمرو بن العاص‏:‏ ‏(‏لو أن أباك أسلم فتصدقت عنه، أو صمت، أو أعتقت عنه، نفعه ذلك‏)‏، وهذا مذهب أحمد، وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي‏.‏
وأما احتجاج بعضهم بقوله تعالى‏:‏‏{‏وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 39‏]‏، فيقال له‏:‏ قد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة‏:‏ أنه يصلى / عليه، ويدعى له، ويستغفر له‏.‏ وهذا من سعي غيره‏.‏ وكذلك قد ثبت ما سلف من أنه ينتفع بالصدقة عنه، والعتق، وهو من سعي غيره‏.‏ وما كان من جوابهم في موارد الإجماع، فهو جواب الباقين في مواقع النزاع‏.‏ وللناس في ذلك أجوبة متعددة‏.‏
لكن الجواب المحقق في ذلك أن اللّه ـ تعالى ـ لم يقل‏:‏ إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه، وإنما قال‏:‏‏{‏وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى‏}‏، فهو لا يملك إلا سعيه، ولا يستحق غير ذلك‏.‏ وأما سعي غيره فهو له، كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه، ونفع نفسه‏.‏ فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير، لكن إذا تبرع له الغير بذلك، جاز‏.‏
وهكذا هذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه اللّه بذلك، كما ينفعه بدعائه له، والصدقة عنه، وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم، سواء كان من أقاربه، أو غيرهم، كما ينتفع بصلاة المصلىن عليه ودعائهم له عند قبره‏.‏