فصل: في اجتماع الأرواح
 
/ فصل
وأما قوله‏:‏ هل تجتمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه‏؟‏ ففي الحديث عن أبي أيوب الأنصاري وغيره من السلف، ورواه أبو حاتم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الميت إذا عرج بروحه تلقته الأرواح يسألونه عن الأحياء، فيقول بعضهم لبعض‏:‏ دعوه حتى يستريح، فيقولون له‏:‏ ما فعل فلان‏؟‏ فيقول‏:‏ عمل عمل صلاح‏.‏ فيقولون‏:‏ ما فعل فلان‏؟‏ فيقول‏:‏ ألم يقدم عليكم‏؟‏‏!‏ فيقولون‏:‏ لا‏.‏ فيقولون‏:‏ ذُهِب به إلى الهاوية‏)‏‏.‏ ولما كانت أعمال الأحياء تعرض عليه الموتي، كان أبو الدرداء يقول‏:‏ اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزي به عند عبد اللّه بن رواحة‏.‏ فهذا اجتماعهم عند قدومه يسألونه فيجيبهم‏.‏
وأما استقرارهم فبحسب منازلهم عند اللّه، فمن كان من المقربين كانت منزلته أعلى من منزلـة مـن كان من أصحاب اليمين‏.‏ لكن الأعلى ينزل إلى الأسفل، والأسفل لا يصعد إلى الأعلى، فيجتمعون إذا شاء اللّه، كما يجتمعون في الدنيا مع تفاوت منازلهم، ويتزاورون‏.‏
/وسواء كانت المدافن متباعدة في الدنيا، أو متقاربة، قد تجتمع الأرواح مع تباعد المدافن، وقد تفترق مع تقارب المدافن، يدفن المؤمن عند الكافر، وروح هذا في الجنة، وروح هذا في النار، والرجلان يكونان جالسين أو نائمين في موضع واحد، وقلب هذا ينعم، وقلب هذا يعذب‏.‏ وليس بين الروحين اتصال‏.‏ فالأرواح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف‏)‏‏.‏
والبدن لا ينقل إلى موضع الولادة، بل قد جاء‏:‏ ‏(‏إن الميت يذر عليه من تراب حفرته‏)‏ ومثل هذا لا يجزم به، ولا يحتج به‏.‏ بل أجود منه حديث آخر فيه‏:‏ ‏(‏إنه ما من ميت يموت في غير بلده، إلا قيس له من مسقط رأسه إلى منقطع أثره في الجنة‏)‏‏.‏ والإنسان يبعث من حيث مات، وبدنه في قبره مشاهد، فلا تدفع المشاهدة بظنون لا حقيقة لها، بل هي مخالفة في العقل، والنقل‏.‏