الزكاة الإحسان إلى خلقهً
 
كتــــــــاب الفقــه
الجـــزء الخامس
الزكاة والصوم
/بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَاب الزكــاة
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه اللّه‏:‏
الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا‏.‏
أما بعد، فإن الله ـ تعالى ـ أنعم على عباده بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو أعظم نعمة عليهم، ومن قبلها، تمت عليه النعمة، وأكمل له الدين وجعله من خير أمة أخرجت للناس، فبعثه بالهدي ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وجعل كتابه مهيمنًا على ما بين يديه من الكتب، وأمر فيه /بعبادة الله، وبالإحسان إلى خلق الله، فقال تعالى‏:‏ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَي وَاليتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏‏.‏
وجعل دينه ثلاث درجات‏:‏ إسلام، ثم إيمان، ثم إحسان‏.‏
وجعل الإسلام مبنيًا على أركان خمسة، ومن آكدها الصلاة ـ وهي خمسة فروض ـ وقرن معها الزكاة، فمن آكد العبادات الصلاة، وتليها الزكاة، ففي الصلاة عبادته، وفي الزكاة الإحسان إلى خلقه، فكرر فرض الصلاة في القرآن في غير آية، ولم يذكرها إلا قرن معها الزكاة‏.‏
من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 110‏]‏،وقال‏:‏ ‏{‏فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 11‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏5‏]‏
وفي الصحيحين‏:‏ من حديث أبي هريرة، رواه مسلم من حديث عمر‏:‏ أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام /فقال‏:‏ ‏(‏شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت‏)‏‏.‏ وعنه‏:‏ قـال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله‏)‏‏.‏ ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال له‏:‏ ‏(‏إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله‏.‏ فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة‏.‏ فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قـد افترض عليهم صـدقـة تؤخـذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم‏.‏ فإن هم أطاعوك لذلك، فخذ منهم، وتَوَقَّ كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏‏.‏