فصل: في قوله ‏ ‏(‏فيما سقت السماء والعيون العشر‏‏)‏
 
فصل
وأما الحديث الثاني‏:‏ وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء، والعيون العشر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏ الحديث، ففيه ما اتفق العلماء عليه، وهو المقدار المأخوذ من المعشرات‏.‏ ولكن اختلفوا في أي شيء يجب العشر، ونصفه‏.‏
فقالت طائفة‏:‏ يجب العشر في كل ما يزرعه الآدميون من الحبوب، والبقول، وما أنبتته تجاراتهم من الثمار، قليل ذلك وكثيره، ويروي هذا عن حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وزفر‏.‏
وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ لا يجب إلا فيما له ثمرة باقية، فيما يبلغ خمسة أوسق‏.‏ وقال أحمد‏:‏ يجب العشر فيما ييبس، ويبقي، مما يكال ويبلغ خمسه أوسق، فصاعدًا‏.‏ وسواء عنده أن يكون قوتًا كالحنطة، والشعير، والأرز، والذرة، أو من القطنيات كالباقلاء، والعدس، أو من الأبازير كالكسفرة، والكمون، والكراويا، والبزر، كبزر الكتان، /والسمسم، وسائر الحبوب‏.‏
وتجب ـ أيضًا ـ عنده فيما جمع هذه الأوصاف، كالتمر، والزبيب، واللوز، والبندق، والفستق، ولا تجب في الفواكه، ولا في الخضر، وهذا قول أبي يوسف، ومحمد‏.‏
ويشبهه قول ابن حبيب من المالكية‏.‏ قال مثل قول مالك، وزاد عليه فقال‏:‏ تؤخذ الزكاة من الثمار ذوات الأصول كلها، ما ادخر منها وما لم يدخر‏.‏ وقال‏:‏ إذا اجتمع للرجل من الصنف الواحد منها ما يبلغ خرص ثمرته خمسة أوسق، إن كان مما ييبس‏:‏ كالجوز، واللوز، والفستق، أخرج عشره، وإن كانت مما لا ييبس‏:‏ مثل الرمان، والتفاح، والفرسك، والسفرجل، وشبهه، فبلغ خرصها وهي خضراء خمسة أوسق، وجبت فيها الزكاة‏.‏ إن باعه بعشر الثمن، وإن لم يبعها، فبعشر كيل خرصها‏.‏
وقال مالك وأصحابه في المشهور من قولهم‏:‏ تجب الزكاة في الحنطة والشعير، والسُّلت، والذرة، والدُّخن، والأرز، والحمص، والعدس، والجل
باب، والرش، والبسلة، والسمسم، والماش، وحب الفجل، وما أشبه هذه الحبوب المأكولة المدخرة‏.‏
وتجب في ثلاثة أنواع من الثمار‏:‏ وهي التمر، والزبيب، والزيتون‏.‏ /وقال الشافعي‏:‏ تجب الزكاة فيما ييبس، ويدخر، ويقتات، مأكولا أو طبيخًا، أو سويقًا، وله في الزيتون قولان، وتجب الزكاة عنده في التمر والزبيب‏.‏
وقال الليث بن سعد‏:‏ كل ما يختبز، ففيه الصدقة، مع أنه يوجب الزكاة في التمر والزبيب والزيتون‏.‏ وكذلك الثوري يوجب الزكاة في الزيتون، والأوزاعي والزهري، ويروي عن ابن عباس أيضًا‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ مضت السنة أن الزكاة في الحنطة، وفي الشعير، والسلت والتمر، والعنب، والزيتون‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ كل ما يختبز، ففيه الصدقة‏.‏
وعند ابن المنذر‏:‏ تسعة أشياء كما تقدم فقط‏:‏ التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، والفضة، والذهب، والإبل، والبقر، والغنم، وكل هؤلاء يعتبر الخمسة الأوسق، إلا ما يروي عن مجاهد، وأبي حنيفة‏:‏ أنه يوجب الزكاة في القليل، ويعتبر - أيضًا - عندهم اليبس، والتصفية في الحبوب والجفاف في الثمار، وما لا زيت فيه من الزيتون، وما لا يزبب من العنب، ولا يتمر من الرطب، تخرج الزكاة من ثمنه، أو من حبه‏.‏ قال مالك‏:‏ إذا بلغ منه خمسة أوسق، فبيع، أخرج الزكاة من ثمنه‏.‏