فصل: وكل من نبت الزرع على ملكه فعليه زكاته
 
فصل
وكل من نبت الزرع على ملكه، فعليه زكاته، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏ وسواء كانت الأرض ملكًا له، أو استأجرها، أو أقطعها له الإمام، يستغل منفعتها، أو استعارها، أو كانت موقوفة عليه‏.‏
قـال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، على أن كل أرض أسلم أهلها عليها، قبل قهرهم، أنها لهم، وأن عليهم فيما زرعوا فيها الزكاة‏.‏ فأرض الصلح كما قال‏.‏ وكذلك أرض العنوة، إذا /كان عليها خراج أدي الخراج، وزكي ما بقي‏.‏
فمن استأجر أرضًا للزرع، فعليه الزكاة، عند جمهور العلماء‏:‏ كمالك والشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد‏.‏ وكذلك المقطعين عليهم العشر، فإن كان الزرع كله له، وهو يعطي الفلاح أجره، فعليه العشر كله، وإن كان الزرع مقاسمة نصفه أو ثلثه للفلاح، ونصفه أو ثلثه للمقطع، فعلى كل منهما عشر نصيبه، فإن الزرع نبت على ملكه وهذا قول علماء الإسلام‏.‏
وقـد كـان الصحابة يأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم العشر يعطيه لمستحقيه، ويأمرهم أن يجاهدوا بما يبقي مـن أمـوالهم، فإذا كان الجند قد أعطوا من بيت المال ما يجاهدون به، كان أولى أن يعطوا عشره، فمن أقطعه الإمام أرضاً للاستغلال والجهاد إذا استغلها، ونبت الزرع على ملكه في أرض عشرية، فما يقول عالم‏:‏إنه لا عشر عليه‏.‏
وقـد تنازع العلماء، فيمـن استحـق منفعـة الأرض بعـوض، كالمسـتأجر لها بـدراهم، أو بخـدمة نفسـه، ونحو ذلك‏.‏ فجمهورهم يقول‏:‏ عليه العشر، وهو قول صاحبي أبي حنيفـة، ومـالك، والشافعي، وأحمـد‏.‏ وأمـا أبو حنيفة فإنه يقول‏:‏ العشر على رب الأرض‏.‏
فهؤلاء المقطعون إذا قدر أنهم استؤجروا بمنفعة الأرض، فبذلوا /خدمة أنفسهم، كان عليهم العشر عند الجمهور، وعلى القول الآخر على الذي استأجرهم‏.‏ فمن قال‏:‏ إن العشر الذي أوجبه الله لمستحقي الصدقات يسقط، فقد خالف الإجماع‏.‏
وأيضًا، فهؤلاء الجند ليسوا كالأجراء، وإنما هم جند الله يقاتلون في سبيل الله عباده، ويأخذون هذه الأرزاق من بيت المال ليستعينوا بها على الجهاد، وما يأخذونه ليس ملكًا للسلطان، وإنما هو مال الله يقسمه ولي الأمر بين المستحقين، فمن جعلهم كالأجراء جعل جهادهم لغير الله‏.‏ وقد جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏مثل الذين يغزون من أمتي، ويأخذون ما يعطونه مثل أم موسي ترضع ابنها، وتأخذ أجرها‏)‏‏.‏