سئل: عما يجب من عشر الحبوب ومقداره وهل هو على المالك أو الفلاح؟
 
سئل ـ رحمه الله ـ عما يجب من عشر الحبوب ومقداره، وهل هو على المالك، أو الفلاح، أم عليهما‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين، النصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم قَدَّره الأئمة لما بنيت بغداد بخمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي إذ ذاك، فيكون ألفًا وستمائة رطل بالعراقي‏.‏ وكان الرطل العراقي إذ ذاك تسعين مثقالاً ـ مائة وثمانية وعشرين درهمًا، وأربعة أسباع درهم‏.‏
ولكن زيد فيه بعد ذلك حتى صار مائة وثلاثين، ثم زيد فيه حتى صارمائة وأربعة وأربعين، فظن بعض متأخري الفقهاء أن هذا أو هذا هو الرطل الذي قَدَّره به الأئمة غلطًا منهم‏.‏
وإذا كان كذلك، فمقداره بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم /ثلاثمائة رطل، واثنان وأربعون رطل، وستة أسباع رطل‏.‏ وستة أسباع الرطل‏:‏ هو أربعمائة درهم وثمانية وعشرون، وأربعة أسباع، وهو ثلثا رطل، وأربعة أسباع أوقية‏.‏
ومن ظن من الفقهاء المتأخرين أن الرطل البغدادي‏:‏ مائة وثلاثون درهمًا، زاد في كل رطل بغدادي مثقالاً، وهو درهم وثلاثة أسباع درهم، فيزيد ألفين وخمسة أسباع درهم، فيصير النصاب على قوله‏:‏ ثلاثمائة وستة وأربعين رطلاً، وثلاثمائة درهم، وأربعة عشر وسبعي درهم وهو نصف رطل، وسبعا أوقية‏.‏
والعشر على من يملك الزرع، فإذا زارع الفلاح، ففي صحة المزارعة قولان للعلماء‏.‏
فمن اعتقد جواز المزارعة أخذ نصيبه، وأعطي الفلاح نصيبه، وعلى كل منهما زكاة نصيبه، ومن لم يصحح المزارعة جعل الزرع كله لصاحب الحَبِ، فإذا كان هو الفلاح استحق الزرع كله، ولم يكن للمالك إلا أجرة الأرض، والزكاة حينئذ على الفلاح‏.‏
ولم يقل أحد من المسلمين‏:‏ إن المقاسمة جائزة، والعشر كله على الفلاح، بل من قال‏:‏ العشر على الفلاح، قال‏:‏ ليس للمالك في الزرع شيء، ولا المقطع، ولا غيرهما، فمن ظن أن العشر على الفلاح /مع جواز المقاسمة؛ فقد خالف إجماع المسلمين‏.‏
والعمل في بلاد الشام عند المسلمين على جواز المزارعة، كما مضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، وسواء كان البذر من المالك، أو من العامل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، على أن يعمروها من أموالهم، فكان البذر من عندهم، وهذا هو الذي اتفق عليه الصحابة، وعليه عمل المسلمين في عامة بلاد الإسلام في زمن نبيهم، وإلى اليوم‏.‏
فمن كان يعامل بالمزارعة؛ كان عليه زكاة نصيبهم، ومن كان يتقلد قول من يبطل هذه المزارعة، ويري أنه لا يستحق من الزرع شيئًا، وأنه ليس له عند الفلاح إلا الأجرة، وأنه إذا أخذ المقاسمة بغير اختيار الفلاح كان ظالمًا، آكلاً للحرام، فعليه أن يعطي الزرع للفلاح، ويعرفه أنه لا يستحق عليه إلا أجرة المثل، فإن طابت نفس الفلاح بعد هذا بأن يقاسمه ويؤدي الزكاة؛ كان الفلاح حينئذ متفضلاً عليه بطيب نفسه‏.‏ ومن المعلوم أن الفلاحين لو علموا هذا لما طابت بذلك نفس أكثرهم، فهذا حقيقة هذه المسألة على قول الطائفتين‏.‏ والله أعلم‏.‏