سئل: عمن كانت له أشجار أعناب لا يصير زبيبًا ولا يتركه صاحبه إلى الجُذاذ؟
 
وسئل عمن كانت له أشجار أعناب لا يصير زبيبًا ولا يتركه صاحبه إلى الجُذاذ، كيف يخرج عشره رطبًا أو يابسًا‏؟‏ وإن أخرج يابسًا أخرج من غير ثمر بستانه‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما العنب الذي لا يصير زبيبًا، فإذا أخرج عنه زبيبًا بقدر عشره لو كان يصير زبيبًا جاز ـ وهو أفضل ـ وأجزأه ذلك بلا ريب، ولا يتعين على صاحب المال الإخراج من عين المال، لا في هذه الصورة ولا غيرها، بل من كان معه ذهب أو فضة أو عرض تجارة، أو له حَبٌّ أو ثمر يجب فيه العشر، أو ماشية تجب فيها الزكاة، وأخرج مقدار الواجب المنصوص من غير ذلك المال أجزأه، فكيف في هذه الصورة‏؟‏‏!‏ وإن أخرج العشر عنبًا ففيه قولان في مذهب أحمد‏:‏
أحدهما‏:‏ وهو المنصوص عنه‏:‏ أنه لا يجزئه‏.‏
والثاني‏:‏ يجزئه، وهو قول القاضي أبي يعلى، وهذا قول أكثر العلماء، وهو أظهر‏.‏
/وأما العنب الذي يصير زبيبًا لكنه قطعه قبل أن يصير زبيبًا، فهنا يخرج زبيبًا بلا ريب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث سعاته فَيَخْرُصُون النَّخْل والكَرْم، ويطالب أهله بمقدار الزكاة يابسًاـ وإن كان أهل الثمار يأكلون كثيرًا منها رطبًا- ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخَارِصِينَ أن يَدَعُوا لأهل الأموال الثلث، أو الربع، لا يؤخذ منه عشر، ويقول‏:‏ ‏(‏إذا خَرَصْتُم فدعوا الثلثَ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فإن في المال العَرِيَّة، والوَطِيَّة والسَابِلَة‏)‏ يعني‏:‏ أن صاحب المال يتبرع بما يعريه من النخل لمن يأكله وعليه ضيف يطؤون حديقته يطعمهم، ويطعم السَابِلَةَ وهم أبناء السبيل، وهذا الإسقاط مذهب الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث‏.‏
وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء، وكذلك في الأولى‏.‏
وأما الثانية، فما علمت فيها نزاعًا، فإن حق أهل السهمان لا يسقط باختيار قطعه رطبًا، إذا كان ييبس‏.‏ نعم لو باع عنبه أو رُطَبَة بعد بدو صلاحه، فقد نص أحمد في هذه الصورة على أنه يجزئه إخراج عُشْر الثمن، ولا يحتاج إلى إخراج عنب أو زبيب، فإن في إخراج القيمة نزاعًا في مذهبه، ونصوصه الكثيرة تدل على أنه يجوز ذلك للحاجة، ولا يجوز بدون الحاجة، والمشهور عند كثير من أصحابه‏:‏ لا يجوز مطلقًا، وخرجت عنه رواية بالجواز مطلقًا، ونصوصه الصريحة إنما هي بالفرق‏.‏
/ومثل هذا كثير في مذهبه، ومذهب الشافعي، وغيرهما من الأئمة قد ينص على مسألتين متشابهتين بجوابين مختلفين، ويخرج بعض أصحابه جواب كل واحدة إلى الأخرى، ويكون الصحيح إقرار نصوصه بالفرق بين المسألتين‏.‏ كما قد نص على أن الوصية للقاتل تجوز بعد الجرح، ونص على أن المُدْبر إذا قتل سيده بطل التدبير، فمن أصحابه من خرج في المسألتين روايتين‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ بل إذا قتل بعد الوصية بطلت الوصية، كما يمنع قتل الوارث لمورثه أن يرثه، وأما إذا أوصي له بعد الجرح فهنا الوصية صحيحة، فإنه رضي بها بعد جرحه‏.‏ ونظائر هذا كثيرة‏.‏