سئل: عن نصيب العامل في المزْرَعَة‏:‏ هل فيه زكاة‏؟‏
 
وسئل عن نصيب العامل في المزْرَعَة‏:‏ هل فيه زكاة‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما الزكاة في المساقاة والمزارعة، فهذا مبني على أصل، /وهو أن المزارعة والمساقاة هل هي جائزة أم لا‏؟‏ على قولين مشهورين‏:‏
أحدهما‏:‏ قول من قال‏:‏ إنها لا تجوز، واعتقدوا أنها نوع من الإجارة بعوض مجهول، ثم من هؤلاء من أبطلها مطلقًا ـ كأبي حنيفة ـ ومنهم من استثني ما تدعو إليه الحاجة، فيجوز المساقاة للحاجة؛ لأن الشجر لا يمكن إجازته، بخلاف الأرض، وجوزوا المزارعة على الأرض التي فيها شجر تبعًا للمساقاة، إما مطلقًا كقول الشافعي، وإما إذا كان البياض قدر الثلث فما دونه، كقول مالك‏.‏ ثم منهم من جوز المساقاة مطلقًا، كقول مالك، والشافعي في القديم، وفي الجديد‏:‏ قصر الجواز على النخل، والعنب‏.‏
والقول الثاني‏:‏ قول من يجوز المساقاة والمزارعة، ويقول‏:‏ إن هذه مشاركة، وهي جنس غير جنس الإجارة التي يشترط فيها قدر النفع والأجرة، فإن العمل في هذه العقود ليس بمقصود، بل المقصود هو الثمر الذي يشتركان فيه، ولكن هذا شارك بنفع ماله، وهذا بنفع بدنه، وهكذا المضاربة‏.‏
فعلى هذا، فإذا افترق أصحاب هذه العقود؛ وجب للعامل قسط مثله من الربح، إما ثلث الربح، وإما نصفه، ولم تجب أجرة المثل للعامل، وهذا القول هو الصواب المقطوع به، وعليه إجماع الصحابة‏.‏
/والقول بجواز المساقاة والمزارعة، قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم‏.‏ وهو مذهب الليث بن سعد، وابن أبي ليلي، وأبي يوسف، ومحمد، وفقهاء الحديث ـ كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي بكر بن المنذر، والخطابي وغيرهم‏.‏
والصواب‏:‏ أن المزارعة أَحَلُّ من الإجارة بثمن مسمى؛ لأنها أقرب إلى العدل، وأبعد عن الخطر؛ فإن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من العقود، منه ما يدخل في جنس الربا المحرم في القرآن، ومنه ما يدخل في جنس الميسر الذي هو القمار، وبيع الغرر هو من نوع القمار والميسر، فالأجرة والثمن إذا كانت غررا مثل ما لم يوصف ولم ير ولم يعلم جنسه؛ كان ذلك غَرَرًا وقمارًا‏.‏
ومعلوم أن المستأجر إنما يقصد الانتفاع بالأرض بحصول الزرع له، فإذا أعطي الأجرة المسماة؛ كان المؤجر قد حصل له مقصوده بيقين‏.‏ وأما المستأجر فلا يدري هل يحصل له الزرع أم لا‏؟‏
بخلاف المزارعة، فإنهما يشتركان في المغنم وفي الحرمان ـ كما في المضاربة ـ فإن حصل شيء اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان، وكان ذهاب نفع مال هذا في مقابلة ذهاب نفع بدن هذا‏.‏
/ولهذا لم يجز أن يشترط لأحدهما شيء مقدر من النماء، لا في المضاربة، ولا في المساقاة، ولا في المزارعة؛ لأن ذلك مخالف للعدل، إذ قد يحصل لأحدهما شيء، والآخر لا يحصل له شيء، وهذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي روي فيها‏:‏ أنه نهى عن المخابرة، أو عن كراء الأرض، أو عن المزارعة، كحديث رافع بن خديج وغيره، فإن ذلك قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يعملون عليها بزرع بقعة معينة من الأرض للمالك؛ ولهذا قال الليث بن سعد‏:‏ إن الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أمرا إذا نظر فيه ذو علم بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز‏.‏
فأما المزارعة، فجائزة بلا ريب سواء كان البذر من المالك أو العامل أو منهما، وسواء كان بلفظ الإجارة أو المزارعة أو غير ذلك‏.‏ هذا أصح الأقوال في هذه المسألة‏.‏
وكذلك كل ما كان من هذا الجنس، مثل أن يدفع دابته، أو سفينته إلى من يكتسب عليها، والربح بينهما، أو من يدفع ماشيته أو نخله لمن يقوم عليها، والصوف، واللبن، والولد، والعسل بينهما‏.‏
فإذا عرف هذان القولان في المزارعة، فمن قال من العلماء‏:‏ إن /المزارعة باطلة، قال‏:‏ الزرع كله لرب الأرض، إذا كان البذر منه، أو للعامل إذا كان البذر منه‏.‏ ومن قال‏:‏ له الزرع؛ كان عليه العشر، وأما من قال‏:‏ إن رب الأرض يستحق جزءًا مشاعًا من الزرع، فإن عليه عشره باتفاق الأئمة، ولم يقل أحد من المسلمين‏:‏ إن رب الأرض يقاسم العامل، ويكون العشر كله على العامل، فمن قال هذا، فقد خالف إجماع المسلمين‏.