فصل: في اختلافهم في تبييت نيته
 
/وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله‏:‏
فصل
وأما الأصل الثالث‏:‏ فالصيام
وقد اختلفوا في تبييت نيته على ثلاثة أقوال‏:‏
فقالت طائفة ـ منهم أبو حنيفة ـ‏:‏ إنه يجزئ كل صوم فرضًا كان أو نفلا بنية قبل الزوال، كما دل عليه حديث عاشوراء، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة فلم يجد طعامًا، فقال‏:‏ ‏(‏إني إذا صائم‏)‏‏.‏
وبإزائها طائفة أخري ـ منهم مالك ـ قالت‏:‏ لا يجزئ الصوم إلا مبيتًا من الليل، فرضا كان أو نفلاً على ظاهر حديث حفصة، /وابن عمر الذي يروي مرفوعًا وموقوفًا‏:‏ ‏(‏لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل‏)‏‏.‏
وأما القول الثالث‏:‏ فالفرض لا يجزئ إلا بتبييت النية، كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر؛ لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم، والنية لا تنعطف على الماضي، وأما النفل فيجزئ بنية من النهار، كما دل عليه قوله‏:‏ ‏(‏إني إذًا صائم‏)‏ كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان ـ كالقيام والاستقرار على الأرض ـ ما لا يجب في التطوع توسيعا من الله على عباده في طرق التطوع، فإن أنواع التطوعات دائما أوسع من أنواع المفروضات، وصومهم يوم عاشوراء ـ إن كان واجبا ـ فإنما وجب عليهم من النهار؛ لأنهم لم يعلموا قبل ذلك، وما رواه بعض الخلافيين المتأخرين‏:‏ أن ذلك كان في رمضان، فباطل لا أصل له‏.‏
وهذا أوسط الأقوال، وهو قول الشافعي وأحمد‏.‏ واختلف قولهما‏:‏ هل يجزئ التطوع بنية بعد الزوال‏؟‏ والأظهر صحته، كما نقل عن الصحابة‏.‏
واختلف أصحابهما في الثواب‏:‏ هل هو ثواب يوم كامل‏؟‏ أو من حين/نواه‏؟‏ والمنصوص عن أحمد‏:‏ أن الثواب من حين النية‏.‏
وكذلك اختلفوا في التعيين، وفيه ثلاثة أقوال ـ في مذهب أحمد وغيره‏:‏
أحدها‏:‏ أنه لابد من نية رمضان، فلا تجزئ نية مطلقة، ولا معينة لغير رمضان، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدي الروايتين، اختارها كثير من أصحابه‏.‏
الثاني‏:‏ أنه يجزئ بنية مطلقة ومعينة لغيره، كمذهب أبي حنيفة ورواية محكية عن أحمد‏.‏
والثالث‏:‏ أنه يجزئ بالنية المطلقة، دون نية التطوع أو القضاء أو النذر‏.‏ وهو رواية عن أحمد، اختارها طائفة من أصحابه‏.‏