سئل: عمن يفعل من المسلمين مثل طعام النصاري في النيروز والعطاس؟
 
/وسئل عمن يفعل من المسلمين، مثل طعام النصاري في النيروز، ويفعل سائر المواسم مثل الغطاس، والميلاد، وخميس العدس، وسبت النور، ومن يبيعهم شيئًا يستعينون به على أعيادهم أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئًا من ذلك أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله، لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعـام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، أو غير ذلك، ولا يحـل فعـل وليمـة، ولا الإهـداء، ولا البيـع بما يسـتعان بـه على ذلك لأجـل ذلك، ولا تمـكين الصـبيان ونحـوهم مـن الـلعب الـذي في الأعـيـاد ولا إظـهار زينـة‏.‏
وبالجملة، ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم‏.‏
/وأما إذا أصابه المسلمون قصدًا، فقد كره ذلك طوائف من السلف والخلف، وأما تخصيصه بما تقدم ذكره، فلا نزاع فيه بين العلماء، بل قد ذهب طائفة من العلماء إلىكفر من يفعل هذه الأمور؛ لما فيها من تعظيم شعائر الكفر‏.‏ وقال طائفة منهم‏:‏ من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرًا‏.‏
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص‏:‏ من تأسي ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم، ومهرجانهم، وتشبه بهم حتي يموت ـ وهو كذلك ـ حشر معهم يوم القيامة‏.‏ وفي سنن أبي داود عن ثابت بن الضحاك قال‏:‏ نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوانَةَ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانَةَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فهل كان فيها عيد من أعيادهم‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم‏)‏‏.‏ فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبًا، حتي أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار، وقال‏:‏ ‏(‏لا وفاء لنذر في /معصية الله‏)‏‏.‏
فـإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية، فكيف بمشاركتهم في نفس العيد‏؟‏‏!‏ بل قـد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين ألا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، وإنما يعملونها سرًا في مساكنهم، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم‏؟‏‏!‏ حتي قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ لا تتعلموا رَطَاَنةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم‏.‏
وإذا كـان الداخـل لفـرجـة أو غيرها منهيا عن ذلك؛ لأن السخط ينزل عليهم، فكيف بمـن يفعل مـا يسـخط الله بـه عليـهم، ممـا هـي مـن شـعائر دينهم‏؟‏‏!‏ وقد قال غير واحد مـن السلف في قـوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ‏}‏ ‏[‏الفـرقان‏:‏ 72‏]‏ قـالـوا‏:‏ أعياد الكفار، فـإذا كـان هذا في شهودها من غير فعل، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها‏؟‏‏!‏
وقد روي عن النبي صلى الله عليه سلم في المسند والسنن أنه قال‏:‏ ‏(‏من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ليس منا من تشبه بغيرنا‏)‏ وهو حديث جيد، فإذا كان هذا في التشبه بهم، وإن كان /من العادات، فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك‏؟‏‏!‏
وقد كره جمهور الأئمة ـ إما كراهة تحريم، أو كراهة تنزيه ـ أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أُهِلَّ به لغير الله وما ذبح على النصب، وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة، وقالوا‏:‏ إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصاري شيئًا من مصلحة عيدهم، لا لحمًا، ولا دمًا، ولا ثوبًا، ولا يعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك؛ لأن الله ـ تعإلىـ يقول‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏
ثم إن المسلم لا يحل له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها، أو نحو ذلك، فكيف على ما هو من شعائر الكفر‏؟‏‏!‏ وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو، فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك‏؟‏‏!‏ والله أعلم‏.‏ قاله أحمد بن تيمية‏.