سئل: عمن حج ولم يعتمر وتركها إما عامدًا أو ناسيا‏فهل تسقط عنه بالحج أم لا‏؟‏‏
 
وسئل عمن حج ولم يعتمر، وتركها إما عامدًا أو ناسيا‏.‏ فهل تسقط /عنه بالحج أم لا‏؟‏ وهل ذكر أحد في ذلك خلافًا أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين، العمرة في وجوبها قولان مشهوران للعلماء، هما قولان للشافعي، وروايتان عن أحمد، والمشهور عن أصحابهما وجوبها، ولكن القول بعدم وجوبها قول الأكثرين؛ كمالك، وأبي حنيفة، وكلا القولين منقول عن بعض الصحابة‏.‏
والأظهر أن العمرة ليست واجبة، وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه، سواء ترك العمرة عامدًا، أو ناسيا؛ لأن الله إنما فرض في كتابه حج البيت بقوله‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏ ‏.‏ ولفظ الحج في القرآن لا يتناول العمرة، بل هو سبحانه إذا أراد العمرة ذكرها مع الحج، كقوله‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عليه أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 158‏]‏ ، فلما أمر بالإتمام أمر بإتمام الحج والعمرة، وهذه الآية نزلت عام الحديبية سنة ست باتفاق الناس‏.‏ وآية آل عمران نزلت بعد ذلك، سنة تسع أو عشر، وفيها فرض الحج‏.‏
ولهذا كان أصح القولين أن فرض الحج كان متأخرًا‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه فرض سنة ست فإنه احتج بآية الإتمام،وهو غلط، فإن الآية إنما أمر فيها بإتمامهما لمن شرع فيهما لم يأمر فيهابابتداء الحج والعمرة‏.‏ والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة الحديبية قبل أن تنزل هذه الآية، ولم يكن فرض عليه لا حج ولا عمرة، ثم لما صده المشركون أنزل الله هذه /الآية، فأمر فيها بإتمام الحج والعمرة، وبين حكم المحصر الذي تعذر عليه الإتمام؛ ولهذا اتفق الأئمة على أن الحج والعمرة يلزمان بالشروع، فيجب إتمامهما‏.‏ وتنازعوا في الصيام، والصلاة والاعتكاف‏.‏
وأيضًا، فإن العمرة ليس فيها جنس من العمل غير جنس الحج، فإنها إحرام وطواف وسعي وإحلال، وهذا كله موجود في الحج‏.‏ والحج إنما فرضه الله مرة واحدة لم يفرضه مرتين، ولا فرض شيئًا من فرائضه مرتين، لم يفرض فيه وقوفين، ولا طوافين؛ بل الفرض طواف الإفاضة، وأما طواف الوداع فليس من الحج، وإنما هو لمن أراد الخروج من مكة؛ ولهذا لا يطوف من أقام بمكة، وليس فرضًا على كل أحد، بل يسقط عن الحائض، ولو لم يفعله لأجزأه دم، ولم يبطل الحج بتركه بخلاف طواف الفرض، والوقوف‏.‏ وكذلك السعي لا يجب إلى مرة واحدة،والرمي يوم النحر لا يجب إلا مرة واحدة، ورمي كل جمرة في كل يوم لا يجب إلا مرة واحدة، وكذلك الحلق والتقصير لا يجب إلا مرة واحدة‏.‏
فإذا كانت العمرة ليس فيها عمل غير أعمال الحج ـ وأعمال الحج إنما فرضها الله مرة، لا مرتين ـ علم أن الله لم يفرض العمرة‏.‏
/والحديث المأثور في ‏(‏أن العمرة هي الحج الأصغر‏)‏، قد احتج به بعض من أوجب العمرة، وهو إنما يدل على أنها لا تجب؛ لأن هذا الحديث دال على حجين‏:‏ أكبر، وأصغر كما دل على ذلك القرآن في قوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 3‏]‏ ، وإذا كان كذلك فلو أوجبناها لأوجبنا حجين‏:‏ أكبر، وأصغر‏.‏ والله تعالى لم يفرض حجين، وإنما أوجب حجًا واحدًا، والحج المطلق إنما هو الحج الأكبر، وهو الذي فرضه الله على عباده، وجعل له وقتًا معلومًا، لا يكون في غيره كما قال‏:‏ ‏{‏يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏}‏ ، بخلاف العمرة فإنها لا تختص بوقت بعينه، بل تفعل في سائر شهور العام‏.‏
ولأن العمرة مع الحج كالوضوء مع الغسل، والمغتسل للجنابة يكفيه الغسل، ولا يجب عليه الوضوء عند جمهور العلماء، فكذلك الحج؛ فإنهما عبادتان من جنس واحد‏:‏ صغري، وكبري‏.‏ فإذا فعل الكبري لم يجب عليه فعل الصغري، ولكن فعل الصغري أفضل وأكمل كما أن الوضوء مع الغسل أفضل وأكمل‏.‏
وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكنه أمرهم بأمر التمتع وقال‏:‏ ‏(‏دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة‏)‏، كما قد بسط في موضع آخر‏.‏ والله أعلم‏.‏