فصل: الإعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب
 
فصل
وهو الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل، فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار، بل الاعتمار فيه حينئذ هو بدعة، لم يفعله السلف، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استح
بابها وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء‏.‏
ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروي سعيد في سننه عن طاوس ـ أجل أصحاب ابن عباس ـ قال‏:‏ الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون‏؟‏ قيل‏:‏ فلم يعذبون‏؟‏ قال‏:‏ لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء‏.‏ وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء‏.‏
قال أبو طالب‏:‏ قيل لأحمد بن حنبل‏:‏ ما تقول في عمرة المحرم‏؟‏ فقال‏:‏ أي شيء فيها‏؟‏ العمرة عندي التي تعمد لها من منزلك‏.‏ قال الله‏:‏ /‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏ ، وقالت عائشة‏:‏ إنما العمرة على قدره؛ يعني‏:‏ على قدر النَّصَب والنفقة‏.‏ وذكر حديث على وعمر‏:‏ إنما إتمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك‏.‏
قال أبو طالب‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ قال طاوس‏:‏ الذين يعتمرون من التنعيم لا أدري يؤجرون‏؟‏ أو يعذبون‏؟‏ قيل له‏:‏ لم يعذبون‏؟‏ قال‏:‏ لأنه ترك الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويخرج إلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء‏.‏ فقد أقر أحمد قول طاوس هذا الذي استشهد به أبو طالب لقوله، رواه أبو بكر في الشافي‏.‏
وذكر عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد قال‏:‏ سئل على وعمر وعائشة عن العمرة ليلة الحصبة، فقال عمر‏:‏ هي خير من لا شيء، وقال‏:‏ هي خير من مثقال ذرة، وقالت عائشة‏:‏ العمرة على قدر النفقة‏؟‏ وعن عائشة ـ أيضًا ـ قالت‏:‏ لأن أصوم ثلاثة أيام، أو أتصدق على عشرة مساكين، أحب إلى من أن أعتمر العمرة التي اعتمرت من التنعيم‏.‏ وقال طاوس‏:‏ فمن اعتمر بعد الحج ما أدري أيعذبون عليها، أم يؤجرون‏؟‏ وقال عطاء بن السائب‏:‏ اعتمرنا بعد الحج، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير‏.‏
وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها، وعن أم الدرداء أنه سألها /سائل عن العمرة بعد الحج، فأمرته بها‏.‏ وسئل عطاء عن عمرة التنعيم فقال‏:‏ هي تامة ومجزئة‏.‏ وعن القاسم بن محمد قال‏:‏ عمرة المحرم تامة‏.‏ وروي عبد الرزاق في مصنفه قال‏:‏ أخبرني من سمع عطاء يقول‏:‏ طواف سبع خير لك من سفرك إلى المدينة، قال‏:‏ فآتي جدة، قال‏:‏ لا، إنما أمرتم بالطواف، قال‏:‏ قلت‏:‏ فأخرج إلى الشجرة، فأعتمر، منها‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ مازالت قدماي منذ قدمت مكة، قال قلت‏:‏ فالاختلاف أحب إليك من الجواز، قال‏:‏ لا، بل الاختلاف‏.‏ قال عبد الرزاق‏:‏ أخبرني أبي، قال‏:‏ قلت للمثني‏:‏ إني أريد أن آتي المدينة، قال‏:‏ لا تفعل، سمعت عطاء سأله رجل، فقال له‏:‏ طواف سبع بالبيت خير لك من سفرك إلى المدينة‏.‏
وروي أبو بكر بن أبي شيبة في ‏[‏المصنف‏]‏ ‏:‏ حدثنا وَكِيع، عن سفيان، عن أسلم المنقري، قال‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ أخرج إلى المدينة، أهلّ بعمرة من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ طوافك بالبيت أحب إلى من سفرك إلى المدينة‏.‏ وقال‏:‏ حدثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد، قال‏:‏ طوافك بالبيت أحب إلى من سفرك إلى المدينة، وقال‏:‏ حدثنا إسماعيل ابن عبدالملك، عن عطاء قال‏:‏ الطواف بالبيت أحب إلى من الخروج إلى العمرة‏.‏