فَصْــل: السفر إلى‏عسقلان
 
/فَصْــل
وأما السفر إلى ‏[‏عسقلان‏]‏ في هذه الأوقات فليس مشروعًا لا واجبًا، ولا مستحبًا؛ ولكن عسقلان كان لسكناها وقصدها فضيلة لما كانت ثغرًا للمسلمين يقيم بها المرابطون في سبيل الله، فإنه قد ثبت في صحيح مسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطًا مات مجاهدًا، وأجرى عليه عمله، وأجرى عليه رزقه من الجنة وأمن الفتان‏)‏‏.‏ وقال أبو هريرة‏:‏ لأن أرابط ليلة في سبيل الله، أحب إلى من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود‏.‏ وكان أهل الخير والدين يقصدون ثغور المسلمين للرباط فيها ـ ثغور الشام‏:‏ كعسقلان، وعكة، وطرطوس، وجبل لبنان، وغيرها، وثغور مصر‏:‏ كالإسكندرية وغيرهـا، وثغور العـراق‏:‏ كعبادان وغيرها ـ فما خرب من هذه البقاع ولم يبق بيوتًا كعسقلان لم يكن ثغورًا ولا في السفر إليه فضيلة، وكذلك جبل لبنان وأمثاله من الجبال لا يستحب السفر إليه، وليس فيه أحد من الصالحين المتبعين لشريعة الإسلام، ولكن فيه كثير من الجن، وهم ‏[‏رجال الغيب‏]‏ الذين يرون أحيانًا في هذه البقاع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 6‏]‏ وكذلك الذين يرون الخضر أحيانًا هو جنى رآه، وقد رآه غير واحد ممن أعرفه، وقال إنني الخضر، وكان ذلك جنيًا لبس على المسلمين الذين رأوه؛ وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات، ولو كان حيًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويجاهد معه؛ فإن الله فرض على كل أحد أدرك محمدًا ـ ولـو كان مـن الأنبياء ـ أن يـؤمنـوا به ويجـاهـدوا معـه، كمـا قـال تعـالـى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 81‏]‏، قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ‏:‏ لم يبعث الله نبيًا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر، ولا أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرًا من أن يلبس الشيطان عليهم؛ ولكن لبس على كثير ممن بعدهم، فصار يتمثل لأحدهم في صورة النبي، ويقول‏:‏ أنا الخضر وإنما هو شيطان، كما أن كثيرًا من الناس يرى ميته خرج وجاء إليه وكلمه في أمور وقضاء حوائج فيظنه الميت نفسه، وإنما هو شيطان تصور بصورته، وكثير من الناس يستغيث بمخلوق إما نصرإني كجرجس، أو غير/ نصراني، فيراه قد جاءه، وربما يكلمه، وإنما هو شيطان تصور بصورة ذلك المستغاث به لما أشرك به المستغيث تصور له، كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم الناس، ومثل هذا موجود كثير في هذه الأزمان في كثير من البلاد، ومن هؤلاء من تحمله الشياطين فتطير به في الهواء إلى مكان بعيد، ومنهم من تحمله إلى عرفة فلا يحج حجًا شرعيًا، ولا يحرم ولا يلبى ولا يطوف ولا يسعى؛ ولكن يقف بثيابه مع الناس، ثم يحملونه إلى بلده‏.‏ وهذا من تلاعب الشياطين بكثير من الناس، كما قد بسط الكلام في غير هذا الموضع، والله أعلم بالصواب، و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏